السمّاق.. بديل الحامض ورفيق الزعتر والفتوش
في الماضي كان يستعمل في الصباغة واليوم أصبح من أهم مطيبات الأطباق الشرقية
السماق الذي يستخدم في الدول العربية هو واحد من أكثر من 250 نوعا من العائلة نفسها
لندن: كمال قدورة
السماق من النباتات الطيبة والذكية الرائحة والقوية الطعم التي على غرابتها، تحظى بمحبة خاصة في الكثير من دول العالم. ويستخدم السماق بشكل عام كأحد أنواع التوابل وكبديل عن المواد الأخرى التي تتمتع بالحموضة على اختلافها. والسماق الذي نستخدمه في لبنان والدول العربية بشكل عام من جنس «روس كورياريا» (Rhus coriaria) من الفصيلة البطمية (Terebinthaceae) ومن العائلة النباتية «أناكاردياكيا» (Anacardiaceae). وهو واحد من أكثر من مائتين وخمسين نوعا من العائلة ذاتها التي تشمل الكاجو والبطم والفستق الحلبي.
ويتراوح عادة طول شجرة السماق 3 أمتار ( في المتوسط)، وتحمل أكباشا حمراء صدئة وداكنة وكثيفة من حبات صغيرة مشعرة. وهذه الثمرة هي ما يطمح إليه الطباخة عادة وما يطحن منه السماق بعد قطفه وتجفيفه، ومحبو النبتة التي يشبه طعمها طعم الحامض القوي واللاذع مع رائحة عطرية مميزة.
ويعود طعم السماق ونكهته الأسيدية الحامضة الخاصة واللذعة - وأهميته - إلى مواد أساسية مثل الـ«تانين» (Tannines) والأحماض العضوية (organic acids) والزيوت التي توجد بنسبة عالية في الأوراق والجذور. ويقال إن التانين أو ما يطلق عليه العفص، مضاد للالتهابات ويستخدم في صناعة المراهم ولمعالجة الجهاز الهضمي وبعض المحاليل، والأهم أنه يلعب دورا كبيرا في صباغة الجلود. ويحتوي سماق الدباغين المعروف في سورية على سكر العنب «ديكستروس» (Dextrose)، وعلى مادة الـ«مريسيتين» (Mericetine). بأي حال، فإن هناك أنوعا أخرى من السماق تعرف بالسماق الحلو (Sumac Sweet) المعروف علميا باسم «روس أروماتيكا» (Rhus aromatica) والسماق السام الذي يطلق عليه علميا اسم «روس تاكسيكوداندرون» (Rhus taxicodendron).
والسماق الذي يحب الأراضي الساحلية عادة والأراضي الكلسية الجافة والبيئة الاستوائية المعتدلة بشكل عام، من الأشجار البرية التي تنتشر كثيرا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وخصوصا لبنان وسورية وفلسطين وجزيرة صقلية الإيطالية وجنوب إيطاليا بشكل عام وإيران. وهو من النبتات والتوابل والمواد، التي تعتبر من أساسيات بعض المطابخ الشرقية التي تستخدمه في معظم الأحوال بديلا عن الحامض. وهو يزرع بكثرة أيضا في الولايات المتحدة الأميركية وأميركا الشمالية بشكل عام حيث يستغل ويستخدم كثيرا للصباغة ولغايات طبية وإنتاج الأدوية. لكن الأنواع المستغلة (Rh. glabra and Rh. aromatica) من السماق هناك، من أكثر الأنواع احتواء على السموم. ومن عادة السكان الأصليين من الهنود الحمر في الولايات المتحدة استخدام حبوب السماق الصغيرة في بعض المشروبات باردا، وأحيانا مخلوطا مع التبغ للتدخين. وفي أوروبا ينتشر السماق المعروف في لبنان وسورية ويتم الاتجار به بكثرة، على الرغم من أن سوقه الأوروبية ليست كبيرة نسبة إلى بعض الدول المشرقية.
ويعود أصل اسم هذه النبتة الغنية والقنوع «سماق» (Sumac) إلى اللغات السامية على الأرجح، وخصوصا الآرامية «سماقا» (sumaqa)، التي تشير إلى اللون «الأحمر الداكن». وقد انتقل إلى أوروبا عبر اللغة العربية وهو ما نستخدمه حاليا «السماق» (sumac). أما أصل اسمه العلمي والنباتي «روس كورياريا» (Rhus coriaria)، وهو لاتيني، فيعود إلى الاسم اليوناني «روس» ، الذي لا تُعرف أصوله حتى الآن. وكلمة «كورياريا» (coriarius) تعود إلى استخدامه في الصباغة، إذ إن اللاتينية «كوريوم» (corium) تعني «جلد». ويطلق بعض الناس على نوع «روس كورياريا» اسم «سماق الخل».
وحتى الاسم الألماني للسماق «إشيغبوم» (Essigbaum) يشير إلى «روس كورياريا» ويعني «شجرة الخل». والحال ذاته مع الاسم الهولندي «زوركريد» (zuurkruid)، الذي يشير إلى التوابل المازة أو الحامضة. ومعظم اللغات الأوروبية حاليا ودول العالم تستخدم الاسم الأخير الـ«سماق» حتى اليابانيون يستخدمون «سوماكو» (Sumakku)، والطليان «سوماقو» (Sommacco). وتشير بعض المصادر إلى أن بعض الناس يطلقون عليه أسماء كثيرة، مثل: العترب والعربرب والعنزب وغيره.
وكما سبق أن ذكرنا أن السماق من النباتات المهمة جدا في لبنان وسورية وإيران وتركيا وإيطاليا، حيث يتم رشه فوق الأرز في تركيا وإيران وأحيانا مخلوطا بالبصل المفروم ومقدما كمازة ومقبلات. ومن عادة الأتراك والإيرانيين والعرب أيضا خلط دقيقه مع الكباب أو ما يعرف في أوروبا بـ«الدونار كباب» (d?ner kebap). وأحيانا يخلط مع اللبن إلى جانب الكباب.
وفي لبنان وفلسطين وسورية والأردن يعتبر السماق والسمسم المحمص من المواد الأساسية لتحضير ما يعرف بالزعتر (وهو زعتر جاف مدقوق مع السمسم المحمص ودقيق السماق الطازج). والزعتر نفسه على هذه الحالة من المأكولات الشعبية جدا، حيث يستخدم في السلطات ولصناعة المناقيش الشعبية بلبنان وفلسطين وسورية والأردن مع زيت الزيتون.
ويستخدم في لبنان طازجا ومرشوشا مطيبا للطعام فوق صحن السلطة العادية وسلطة الفتوش بشكل خاص، التي تعتبر من أطيب وأفضل السلطات في لبنان والعالم، وقد حملت المطاعم اللبنانية اسمه في جميع القارات. كما يستخدمه اللبنانيون والفلسطينيون وأهل الخليج وإيران وتركيا وبعض الدول الأوروبية لتطعيم اللحم وتتبيله على أنواعه. وفي فلسطين، يعتبر السماق من المواد الأساسية لتحضير الزعتر وطبق المسخن الشعبي المطبوخ بالدجاج والخبز.
كما يستخدم السماق في مصر بكثرة أيضا كاستخدامات دول المشرق العربي، في «الدقة»، وأحيانا غليه مع الماء وإضافة العصير القوي إلى اللحم والخضار في أثناء الطبخ. وهي وسيلة متوارثة منذ أيام الرومان. وقد خص الرومان أنفسهم هذه النبتة بعناية خاصة ودونوا عنها الكثير في كتب الطبخ القديمة. ويمكن القول إن أهل آسيا أو بعض الدول الآسيوية كالهند وإندونيسيا تستعيض عن السماق في هذه الاستخدامات بالتمر هندي، «الذي يلعب الدور نفسه في المطبخ المحلي». وتقول الموسوعة الحرة حول المناطق التي يعيش فيها السماق: إنه يعيش في القسم السفلي والوسطي من جبال الألب الساحلية في فرنسا. وفي جنوب إيطاليا وخصوصا جزيرة صقلية كما ذكرنا، وشمال أفريقيا وخصوصا مصر والجزائر والمغرب وغرب آسيا كصحراء سيناء، وفلسطين «وخاصة في منطقة سلفيت، وجنوب لبنان وسورية في الشمال، قرب الحدود السورية التركية في عفرين، وفي الشمال الغربي في صلنفة وكسب والبسيط، واللاذقية، والأمانوس وغيره، وفي الشرق والشمال الشرقي في كل من حمص وحماة وإدلب والفرات، وفي الوسط ضواحي دمشق ودوما والتل وجبال القلمون وفي محافظة السويداء في جبل العرب وتل كليب وتل الأحمر والشهبا وغيره.
وتقول المعلومات المتوافرة إن السماق استخدم منذ قديم الزمان في الطب وعالم الطبابة والعلاج، وقد ذكره الكثير من المؤرخين والنباتيين. وفي التراث العربي والإسلامي، قال عنه ابن سينا في كتاب القانون إنه «يمنع النزيف، يسوّد الشعر، مضاد للروماتيزم، يمنع قيح الأذن، يسكّن وجع الأسنان، دابغ للمعدة مقوّ لها، يسكّن العطش ويشهّي لحموضته، ويسكّن الغيثان الصفراوي، يعقل الطمث والنزف، ويحقن به للدسنتاريا ولسيلان الرحم والبواسير». أما الإنطاكي، فقد قال في هذا المضمار إن السماق «يقمع الصفراء، ويزيل الغثيان وكذا الرطوبات والإسهال ونفث الدم والنزيف والجرب والحكة وشد اللثة، وضد الداحس، وضد الباسور، ومقوّ للمعدة، وفاتح للشهية وضد العرق». وحتى ابن البيطار جاء على ذكر السماق ومنافعه الطبية، مؤكدا أنه يسوّد الشعر إذا ما تم طبخ أوراقه ويقطع قيح الإذن، «إذا تضمد بالورق مع الخل والعسل أضمر الداحس ومنع الغرغرينا من الانتشار في الجسم، مضاد للإسهال المزمن، يزيل خشونة الأجفان، يقطع سيلان الرطوبة البيضاء من الرحم ويبرئ من البواسير، مشهٍّ جيد للطعام».
ويشير موقع «الفلق» على شبكة الإنترنت، وهو من المواقع القليلة التي تعنى بالسماق في شتى اللغات، في هذا الإطار أيضا إلى أن طبخ جذور السماق يساعد على علاج الدسنتاريا والإسهال، وأن ماء قشور السماق المغلية تعالج الفطور في البشرة، وتستخدم للغرغرة للتخلص من مشكلات الحنجرة وتطهيرها. وعن ثمار السماق، يضيف الموقع أن ثمار السماق مفيدة ومدرة ومخفضة للحمى. كما أن البذور تستخدم أيضا في الغرغرة لعلاج مشكلات اللثة إضافة إلى الحنجرة كما أكدنا. كما أن السماق الحلو أو العطري يستخدم «على نطاق واسع في الطب الحديث حيث أثبتت الدراسات الحديثة أن حمض الجاليك، وهو أحد مركبات المواد العفصية في النبات، له تأثير مضاد للبكتريا والفيروسات، وفي تجربة على حيوانات التجارب ثبت أن السماق يزيد من تقلص عظم الحرقفة، كما أثبتت دراسة أخرى تحسنا ملموسا في إيقاف سلس البول. كما يستخدم السماق في الطب المثلي لعلاج مشكلات المثانة الضعيفة». وفي اليونان، تشير المعلومات إلى أن السماق الذي جاء من لبنان وسورية استخدم منذ قديم الزمان، لتطعيم وتتبيل اللحم والخضار واليخنات والمشاوي والأرز وأحيانا فوق صحن الحمص، على عكس الطريقة اللبنانية التي تتوج صحن الحمص بدقيق الفلفل الأحمر وبعض الحمص المسلوق والبقدونس. وقد ذكره الفيزيائي الإغريقي المعروف بيدانيوس ديوسكوريديس في مؤلف «دي ماتيريا ماديكا»، وخصوصا فوائده الطبية، وبشكل خاف، في مضمار علاج أوجاع المعدة والإسهال وغيره. وقد خدم بيدانيوس تحت سلطان الإمبراطور الروماني نيرو كأحد أطبائه وعلمائه. ولا يزال الناس حتى الآن، كما سبق أن ذكرنا يلجأون إلى غلي حبوب السماق أو كبوشه ثم تجفيفه وطحنه لاستخراج زيته، وبعدها خلطه بزيت الزيتون والخل لاستخلاص عصارة مهمة للطبخ والتطعيم.