الإكي دنيا.. فاكهة ارتبطت اسمها في الصين واليابان بالآلات الموسيقية
لقبها الأتراك بـ«العالم الجديد»
لندن: كمال قدورة
الإكي من أنوع الفاكهة الغريبة والجميلة والطيبة والخاصة، إذ إنها جميلة الشكل والحجم من ناحيتي الشجر والثمر، وطيبة المذاق خضراء كانت أم برتقالية ناضجة وحلوة كالعسل. ولكن على الرغم من غرام الكثير من الناس بها، لا تزال محدودة الانتشار في الكثير من الدول. لكن لحسن الحظ أن الدول العربية وخصوصا دول المشرق أسوة بتركيا تزرعه بكثرة في المناطق الساحلية والزراعية والحدائق العامة.
الإكي من أنوع الفاكهة الغريبة والجميلة والطيبة والخاصة، إذ إنها جميلة الشكل والحجم من ناحيتي الشجر والثمر، وطيبة المذاق خضراء كانت أم برتقالية ناضجة وحلوة كالعسل. ولكن على الرغم من غرام الكثير من الناس بها، لا تزال محدودة الانتشار في الكثير من الدول. لكن لحسن الحظ أن الدول العربية وخصوصا دول المشرق أسوة بتركيا تزرعه بكثرة في المناطق الساحلية والزراعية والحدائق العامة.
الاسم العلمي للإكي دنيا أو الإسكي دنيا (loquat)، هو «ايريوبوتريا جاوبونيكا» Eriobotrya japonica، وهو من عائلة النباتات المزهرة «روساكيا» Rosaceae التي تضم ثلاثة آلاف نوع، وتعود أصول معظمها إلى جنوب شرقي الصين. وفيما يعتقد البعض أنها قريبة من عائلة «Mespilus»، فإن الكثير من المختصين لا يزالون يطلقون عليها اسم «المدلار الياباني» Medlar Japanese.
على أي حال، فإن الاسم الإنجليزي «لوكات» (loquat) يعود إلى الاسم (lou4 gwat1)، الذي يعود إلى إحدى اللغات الصينية الأساسية وهي اللغة «الكنتونية» (Cantonese)، الذي يطلق عليه في الصينية الكلاسيكية اسم «بينيين» الذي يعني حرفيا «البرتقال القصبي». لكن الآن يطلقون عليه ويعرف بالـ«بيبا»، لأن شكل ثمرة الإكي دنيا يشبه شكل الآلة الموسيقية الصينية القديمة المعروفة التي شهدت إمبراطوريات عدة، آلة الـ«بيبا» وهي أشبه بعود طويل ونحيف مع زخارف نباتية ونماذج فنية طبيعية أشبه باللوحات الكلاسيكية التي تستخدم بعضها للتطريز. والأمر نفسه في اليابان، حيث يطلقون على الإكي دنيا اسم الـ«بيوا» (biwa) لأنه يشبه آلة الـ«بيوا» الموسيقية التقليدية التي هي نسخة طبق الأصل من الآلة الصينية الأم، إضافة إلى اسم «المدلار الياباني» الذي ذكرناه سابقا. وتتقارب الأسماء الأوروبية للإكي دنيا، إذ يطلق عليه في الفرنسية اسمي «نيفل اليابان وبيباسي» ( nefle du Japon - bibasse) وفي الإيطالية «نيسبولا» (nespola) والإسبانية «nispero». أما في كتالونيا في الشمال فيسمونه بـ«نيسبرا» (nespra) وفي البرتغالية بـ«نيسبرا» (nespera -magnorio) والكرواتية بـ«نيسبولا» (nespula) والمالطية بـ«ناسبالي» (naspli) واليونانية بـ«ميسبيليا أو موسمولا» (mespilia- mousmoula) والتركية بـ«يني دنيا» (yeni dünya- Malta Erigi)، الأول يعني «العالم الجديد» كما هو حال الاسم الأرمني «عيد الشكر» والثاني يعني «الخوخ المالطي»، والهندي بـ«لوكات» (lokaat) المشابه للإنجليزي، والعبري بـ«شيسيق»، والعربي بالإكي دنيا والاسكيدنيا والبشملة، وفي أفريقيا بـ«لوكوارت» (lukwart). ويقول البعض إن الاسم التركي هو الأصل الأصلي لـ«إكي دنيا» المستخدم في اللغات الأخرى الذي يعني العالم الجديد.
وتعود أصول الإكي دنيا كما تؤكد المعلومات المتوافرة حتى الآن، إلى جنوب شرقي الصين، ومن الوطن الأم انتقل إلى اليابان المجاورة حيث تمت العناية به وتأقلم وأصبح محليا، وأحبه اليابانيون وواصلوا زراعته واستغلاله منذ أكثر من ألف سنة. ولطالما جاء ذكر الإكي دنيا في الآداب الصينية واليابانية القديمة، وجاء بشكل خاص في قصائد لي باي (Li Bai) المعروفة. ولي باي الذي يطلق عليه البعض اسم لي بو يعتبر أحد أعظم الشعراء في تاريخ الصين الحافل والطويل. وكان واحدا من مجموعة من الأدباء أو رجال المعرفة في القرن الثامن كان يطلق عليها اسم «الخالدون الثمانية من كأس النبيذ» وكان أشبه بعمر الخيام هائما بالنساء والجمال والطبيعة والخمر وكتب فيها أكثر من ألف قصيدة. والحال نفسه في اللغة البرتغالية، إذ جاء ذكر الإكي دنيا في آدابها قبل ما يعرف بعصر الاكتشافات في بداية القرن السابع عشر. ومن اليابان أيضا، وربما عبر الصين انتشر الإكي دنيا في الهند ومنطقة الشرق الأوسط والكثير من المناطق الأخرى كشمال أفريقيا وفي أفريقيا نفسها وبعدها أوروبا. ويقال إن البحارة والمهاجرين الصينيين هم الذين نقلوا الإكي دنيا إلى جزر هاواي. وبدأ يظهر الإكي دنيا بكثرة في الولايات المتحدة الأميركية وخصوصا ولاية كاليفورنيا بعد عام 1870 وبأنواع محسنة وأكبر حجما من الأصل.
تعشق نبتة الإكي دنيا أو شجرة الإكي دنيا التي تعتبر أحيانا من أنواع الـ«بجلة» أو الشجيرات، المناخ المعتدل، على الرغم من أنها قادرة على التأقلم أحيانا. ولهذا، في المناطق الباردة جدا أو الحارة جدا، يستخدمها الناس ويزرعونها لغايات التزيين لا لغايات الأكل وليس لثمارها الطيبة. ويمكن للأشجار الكبيرة والمعمرة أو القوية تحمل بعض البرد والمناطق الباردة على الرغم من هشاشة جذور النبتة بشكل عام. ومن شأن الحر أو القيظ أحيانا أو الريح القوية حرق الأوراق الكبيرة واصفرارها وسقوطها. وبشكل عام شجرة الإكي دنيا متوسطة الحجم ولهذا يتم استخدامها لغايات التزيين وتصميم الحدائق منذ زمن طويل، وساقها ليست كبيرة كبعض الأشجار الأخرى. وأوراق الشجرة جميلة جدا يصل طولها أحيانا إلى عشرين سنتيمترا وبعرض عشرة سنتيمترات وهي مخملية داكنة الخضار مغطاة بالوبر وقريبة إلى الأخضر الزيتي. وقد ساهمت بساطة النبتة وسهولة نموها في انتشارها في جميع أنحاء المعمورة منذ أكثر من ألفي سنة. كما أن أزهار الإكي دنيا الجميلة مخملية صوفية الملمس وصغيرة بيضاء وصفراء باهتة اللون تولد عادة في فصل الشتاء. وعادة ما تتجمع الأزهار كـ«أكباش» أو«ضمم» إلى جانب بعضها البعض عند نهاية الفروع. أما الفاكهة التي نتكلم عنها، فهي برتقالية اللون طولية الشكل، وتتكون جلدتها الخارجية الملساء من طبقة بيضاء وطبقة صفراء ثم الطبقة البرتقالية وعادة ما تحمل بين ثلاث وخمس بذور بنية اللون جميلة ولزجة الملمس، يستخدمها الأطفال أحيانا لصعوبة السيطرة عليها لقذف بعضهم البعض للتسلية. وعلى الرغم من أن بعض الأشجار قادرة على تلقيح نفسها بنفسها، فإن بعضها يحتاج إلى النحل للقيام بالمهمة والعملية البسيطة والمهمة. وعلى الرغم من أن الشجرة المتسامحة طبيعيا تعشق الشمس، فإنها أيضا لا ترفض بعض الظل، وليس بالضرورة انتظار نضوج ثمارها نهاية فصل الصيف، إذ إن الكثير من الناس يحبونها ويعشقونها خضراء طازجة مع الملح لطعمها الحامض والمز الحاد. لكن هذا الطعم عادة ما يكون طازجا ومنعشا وفاتحا للشهية ولذيذا لدى البعض. وكان يباع أحيانا مع الملح ويكثر من زبائنه الشباب والشابات.
تعتبر اليابان من أهم منتجي الإكي دنيا في العالم تليها الصين وإسرائيل والبرازيل. ويزرع بكثرة في الكثير من دول العالم كتركيا ولبنان وفلسطين وسورية وإيران والعراق وجزر المتوسط كقبرص ومالطا وصقلية في إيطاليا وسردينيا في فرنسا وكريت في اليونان ومصر ودول شمال أفريقيا وألبانيا وإسبانيا والبرتغال وأرمينيا وابخازيا وأستراليا وبيرمودا والهند ونيوزيلاندا وباكستان ومدغشقر في المناطق الجبلية والمناطق الوسطى حيث يطلقون عليه اسم «بيباسي» (Pibasy). ويمكن العثور على آثار الإكي دنيا أيضا في أميركا اللاتينية وخصوصا البيرو وغواتيمالا والباراغواي وفي المكسيك ودول أميركا الوسطى وروسيا. ويعتقد أن المهاجرين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين هم الذين نشروا النبتة في بعض دول أميركا الجنوبية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أيام الهجرات الكبيرة نحو العالم الجديد.
وعلى صعيد الاستخدامات العامة، يتم دائما مقارنة الإكي دنيا بقريبتها التفاحة التي لغناها بالسكر والأحماض الطبيعية والبكتين (Pectin)، ويتم عادة أكلها كما ذكرنا طازجة خضراء ويانعة وناضجة وهي برتقالية عسلية الطعم وتؤكل أيضا مع شتى أنواع سلطات الفاكهة. كما يلجأ البعض إلى استخدام الإكي دنيا لصناعة الكعك والفطائر كما هو الحال مع المربى في جزر بيرمودا، وصناعة وتحضير بعض الصلصات. وعادة ما يتم تقديمه مسلوقا وبالعسل أو القطر أو الكريم والشوكولاته. كما يستغله البعض لصناعة الكحول كما يحصل في الصين لصناعة النبيذ الخفيف الطعم. وفي اليابان، يؤكل الإكي دنيا طازجا ويتم تعليبه كثيرا.
وقد لجأ الصينيون منذ قديم الزمان إلى استخدام الإكي دنيا في القطاع الطبي منذ قديم الزمان وخصوصا لعلاج الحنجرة والسعال. كما يصنعون من أوراقه معجونا خاصا مخلوطة مع بعض المواد الأخرى كمادة حامية أو عازلة أو ملطفة تخفف الألم، يطلقون عليها اسم «بيبا غاو» (pipa gao) الذي يعني حرفيا معجون الإكي دنيا.
ويعتبر الإكي دنيا من النباتات القليلة الصوديوم والكولسترول والدهون المشبعة وغني بفيتامين «أ» وفيتامين «بي 6» والألياف والبوتاسيوم والمنغنيزيوم، مما من شأنه الحفاظ على الصحة ووزن خفيف من دون حمية، أي أنه ممتاز للتنحيف وخسارة بعض الشحوم. ولهذا ينصح عادة الراغبون في زيادة وزنهم بالابتعاد عن الإكي دنيا والتمتع بخيرات أخرى غنية بالدهون والزيوت المشبعة.
وكالنباتات المشابهة أو التي تعتبر من نفس العائلات وغيرها من النباتات أيضا، فإن الأوراق الصغيرة والبذور سامة إلى حد ما، إذ تحتوي على مواد سيانوتجيناتيك غليكوسايدز (cyanogenetic glycocides) التي ينتج عنها مركب السايانايد الكيميائي عند الهضم. لكن كثافة البذور وحدة المرارة كافية عادة لردع عشاق الإكي دنيا من تناولها، وبالتالي التعرض للمخاطر.
ومن أنواع الإكي المعروفة التي تنتج حول العالم والتي تتمتع باللون البرتقالي، «ايرلي رد» (Early Red) الذي يعود إلى بدايات القرن الماضي ويتمتع بحجم متوسط إلى حد كبير، و«غولد ناغات» (Gold Nugget) الذي يميل لونه إلى الصفار وهو كبير الحجم وغير سميك وحلو المذاق، أي أنه من الأنواع الممتازة، و«موغي» (Mogi) الياباني الصغير الحجم والنحيف القشرة، و«ميسيز كوكسي» (Mrs. Cooksey) الكبير الحجم الذي ينتج في نيوزيلاندا في آخر المعمورة، وعلى الرغم من أن لونه يميل إلى الصفار فإن طعمه لذيذ جدا، و«استروباري» أو «فريز» (Strawberry)، ويطلق على هذا النوع المتوسط الحجم اسم «فريز» لشبه طعمه بطعم الفريز أو الفراولة اللذيـــذ، و«وولــف» ( Wolfe) الأصفر الذي تم تأصيله في ولاية فلوريدا الأميركية، و«تنكا» (Tanaka) الذي يعتبر من الأنواع الممتازة والضخمة من أنواع ولاية كاليفورنيا الكثيرة والطيبة، ويعود الاسم إلى الرجل الياباني الذي عمل على تأصيله، و«بيغ جيم» أو «جيم الكبير» ( (Big Jim- أما الأنواع التي تتمتع باللون الأبيض فهناك «شمبانيا» (Champagne) المتوسط الحجم وذو اللون الأصفر الداكن، «فيكتوري» أو «النصر» (Victory) الأسترالي (المناطق الغربية)، و«فيستا وايت» أو «الشرفة البيضاء» (Vista White) الصغير الحجم، و«هيردز ماموث» (Herd›s Mammoth) الذي يعتبر أيضا من الأنواع الكبيرة الممتازة والطيبة.