«وليمة بابيت».. حين يشغل الطعام الحواس الخمس
دليلك إلى الأفلام والأطباق التي تتخذ من الطعام مادة رئيسية
من الأطباق الشهيرة في الفيلم - سلطة الأنديف
لندن: كمال قدورة
يعتبر فيلم «وليمة بابيت» - Babette›s Feast الدنماركي الذي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1987(من إخراج غابرييل آكسل) من أجمل وأروع الأفلام التي تتخذ من الطعام وسيلة لها للتعبير عن قضايا الإنسان وهمومه وانشغالاته وخصوصا عن التجاذبات - الأبدية بين إنكار الذات والملذات الحسية.
والفيلم على بساطته وبساطة مسرح أحداثه، من الأفلام الدافئة التي تستدعي العودة إلى أجواء وتقاليد وعادات قديمة تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر. وهو أيضا من الأفلام الشاعرية التي تتحدث عن الحياة البسيطة، حيث يتصادم الحب فيها بالقدر والتزمت بالرغبات الدفينة.
يحكي الفيلم عن الحب، الحب الصامت، وعن قصة شقيقتين جميلتين من الناحيتين الروحية والصوتية يعشن حياة التقشف والزهد في منزل بسيط. وتعمل كل من مارتينا وفيليبا عمل الخير وعلى مساعدة أهل القرية الصغيرة التي يعشن فيها على شواطئ الدنمارك بعد موت والدهما القسيس وراعي القرية.
ونتيجة للتربية والتقاليد الصارمة ولآراء والدهما ورغبته بالاحتفاظ بوجودهن لنفسه، تعبيرا عن الأنانية الإيمانية، تهجر كل منهن حبها الخاص بها. وقد برر الوالد قراراته بإبعاد المعجبين عن بناته بالتساؤل: «هل تريدان أن تحرما هذا الرجل العجوز من الراحة في سنواته الأخيرة».
على أي حال فقد كان المغرم بفليبا مغني أوبرا فرنسيا يدعى بابين والمغرم بمارتينا الضابط السويدي الملكي لورينز. ففيما يفشل الأول بإقناع فيليب بالثروة والفن ويعود إلى فرنسا، يعود الثاني أدراجه إلى حياة الجيش والقمار. ولكن وبعد سنوات طويلة على اختفاء الاثنين وموت الوالد، وفي ليلة شتائية ماطرة تطرق بابيت الفرنسية القادمة (الهاربة) من باريس باب الجميلتين الطاعنتين في السن وهي تحمل رسالة من المغني لمساعدتها والاعتناء بها. وبعد زمن طويل من العناية ببابيت، بتبنيها، واحتضانها في المنزل مقابل التنظيف والطهي، تصل رسالة إلى بابيت تقول إنها ربحت الجائزة الكبرى في اليانصيب الفرنسي وقيمتها 10 آلاف فرنك ذهبي. بعد ذلك تقرر بابيت إقامة وليمة كبيرة لجميع أهل القرية بذكرى ولادة القسيس المئوية، لكن الوسواس الخناس وسوس في صدور الشقيقتين اللتين اعتقدتا أنها حفلة وداع وأن بابيت مجرد ساحرة شريرة جاء بها القدر إلى القرية لتدميرها.
تجلب بابيت مواد الوليمة التي تليق بالملوك خصيصا من فرنسا، ويحضر هذه الوليمة التي استغرقت عملية تحضيرها أسبوعين على الأقل، الضابط السويدي لورينز، وخلال الجلسة المليئة بما لذ وطاب من طعام وشراب يراجع كل فرد من أفراد القرية نفسه متسائلا عن حياته وطبيعتها وما آلت إليه وطبيعة الملذات التي حرموا أنفسهم منها.
ومما يدعو للسخرية يتعرف لورينز على أطعمة الوليمة ويقول إنه لم يتذوق مثلها إلا في مطعم «كافيه أنجليه» الشهير أيام إقامته في باريس، ويتبين لاحقا أن بابيت هي التي كانت مسؤولة عن مطبخ المطعم آنذاك.
على أي حال، تقرر بابيت البقاء في القرية بعد أن تعترف للشقيقتين بأنها صرفت العشرة آلاف فرنك على الوليمة، قائلة: «هذا هو سعر الوليمة في (كافيه أنجليه)»، إذ أرادت فقط أن تعبر عن شكرها لهن بالقيام بعمل صادر من القلب.
وليمة بابيت أو قائمة الطعام التي احتوت على ما لذ وطاب والتي تتألف من ستة أطباق:
* الطبق الأول:
- «Potage à la Tortue» - شوربة السلحفاة
قدمت كثير من المطاعم الأوروبية والأميركية لائحة الطعام الخاصة ببابيت لزبائنها بعد شهرة الفيلم نهاية الثمانيات من القرن الماضي.
- تتألف شوربة السلحفاة من: القصعين - الحبق - ورق الغار - الجزر - حبوب الكزبرة - إكليل الجبل (روزماري) - الكرفس - الكراث - البصل - الزعتر - حبوب الفلفل الأسود - المردقوش - لحم السلحفاة - مرق اللحم (كونسوميه) -.
* الطبق الثاني:
- فطيرة بلينيه ديمودوف - «BlinisDemidoff» مع الكافيار والقشطة الرائبة أو الكريم الحامض. تصنع الفطيرة من الحنطتين السوداء والعادية وصفار وبياض البيض والحليب وزيت القلي. وعادة ما يخلط الطحين معا في وعاء خاص، ثم يتم مزج صفار البيض والبيرة والحليب جيدا قبل إضافة الخليط رويدا رويدا إلى خليط الطحين، كما يتم خفق بياض البيض جيدا وإضافته إلى الخليط للحصول على عجينة لينة. يتم قلي ملعقة كبيرة منه لمدة دقيقتين أو ثلاث للحصول على الفطيرة.
* الطبق الثالث:
- Cailles en Sarcophage - أو «السمان في التابوت»
يحضر الطبق عبر تنظيف السمان وحشوه بفطر الكمأة المعروف بالترافل - truffle وكبد الدهن (Foie gras) الذي ينتج من كبد الإوز أو البط السمن والذي يعتبر في فرنسا من مواد الطعام الفاخرة والغالية الثمن أحيانا.
يوضع السمان في الفطائر الهشة ثم في الفرن (400 درجة حرارية) لمدة عشر دقائق، قبل تحضير الصلصة. وهناك عدة طرق لتحضير الصلصة يدخل في بعضها أحيانا التين الأحمر والفطر والبصل والجزر والأعشاب البرية. لكن صلصة بابيت كانت بسيطة تستغل ما ترك من قلي رؤوس السمان.
* الطبق الرابع:
سلطة الهندباء الأنديفية - Endive salad والتي تحضر أيضا بطرق عدة، لكن أشهرها سلطة الهندباء مع الجرجير والتي تشمل أوراق الهندباء وأوراق الجرجير وزيت الزيتون والجوز المحمص والفلفل الأسود المطحون والخردل والعسل وعصير الليمون والملح.
* الطبق الخامس:
كعكة أسفنجية مع التين الأحمر وملبس الكرز - Savarin au Rhum avec des Figues et Fruit Glacée - وهي نوع من أنواع الكعكات الألمانية والنمساوية التي يطلق عليها اسم Kugelhopf الألماني. يحتوي عجين الكعكة على بذور الخشخاش والزبيب واللوز.
* الطبق السادس:
هو عبارة عن تشكيلة من الأجبان الفرنسية، وتليه القهوة الطازجة
كثيرة هي الأفلام التي تتخذ من الطعام مادة رئيسية لها ومن أهم هذه الأفلام: الليلة الكبيرة - Big Night الذي أخرجه كامبل سكوت توشي عام 1996 - ويحكي الفيلم وشين قصة مهاجرين من أبروزو من إيطاليا، بريمو وسوكوندو ومعاناتهما في الاندماج في المجتمع وأمركة أنفسهما ومطعمهما في نيو جيرسي في الولايات المتحدة في الخمسينات. ويحكي الفيلم المضحك والخفيف القلب محاولة بريمو وسوكوندو إنقاذ مطعم ورزق العائلة الذي يطلق عليه اسم «براديسو أو الجنة» - ويعتبر المشهد الأخير أي مشهد تحضير الأومليت ومشاركة الخادمة في أكلها من أجمل مقاطع الفيلم وأكثرها تأثيرا.
- «مثل الماء لأجل الشوكولاته»- Like Water for Chocolate - وهو من أفلام الواقعية السحرية الرومانسية التي تتخذ من مدينة مكسيكية حدودية مسرحا لها في بدايات القرن الماضي.
وقد أخرج الفيلم الذي حاز على جائزة الكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبي عام 1992 ألفونسو آرو زوج كاتبة رواية الفيلم لورا إسكيوفيل.
- شوكولاته - Chocolate للمخرج السويدي لاسي هالستروم عام 2000. ويحكي هذا الفيلم الأميركي البريطاني الإنتاج والذي يركز على القوة الحسية للشوكولاته، قصة أم (جولييت بينوشيه) تصل إلى إحدى القرى الفرنسية المتخيلة والمحافظة مع ابنتها الصغيرة وتفتتح دكانا لبيع الشوكولاته. وتتمكن هذه الأم عبر هذا الدكان وعبر وصفاتها من تغيير حياة الناس في القرية مرة وإلى الأبد. وقد حاز هذا الفيلم على كثير من الجوائز السينمائية المعروفة.