الصويا... ورحلة البحث عن المذاق
تاريخ طويل وجغرافيا من الصين إلى أرجاء المعمورة
صلصة الصويا واحدة من أهم المواد أو التوابل الأساسية في المطابخ الآسيوية وخصوصا
المطابخ الصينية واليابانية والكورية والفيتنامية والتايلاندية وغيرها.
وعادة ما تضاف صلصة الصويا «للمأكولات عند نهاية الطهو وليس على النار، وهو يستخدم كأساس لصنع الحساء الصافي وكمادة لتتبيل السلطات والمخللات السريعة، كما يستخدم في صنع الشيو كومبو وغيره من التوابل» اليابانية التقليدية.
كما تستخدم الصلصة لغمس السمك والمقليات وغيره من الخضراوات واللحوم وكصلصة للطبخ وتغيير طعم الأطباق واليخنات وكصلصة للمزج مع الصلصات الأخرى أيضا.
ويقول موقع «كيكومان» الخاص بعالم الصويا في هذا الإطار، إن الناس في الشرق وفي والغرب سعوا منذ قرون طويل لإيجاد أفضل الطرق للحفاظ على الغذاء فاكتشفوا من خلال هذه التجربة أن استخدام الملح لا يحافظ على الطعام فقط بل يحسن من نكهته أيضا. وذلك لأن الكائنات الحية الدقيقة تحطم البروتينات الموجودة في الطعام وتحولها إلى مكونات أومامي (المذاق الخامس) تعزز الذوق.
ويضيف الموقع أنه في الصين القديمة، كانت الأطعمة المحفوظة وتوابلها تعرف باسم jiang - جيانغ - ومن هناك جاءت صلصة الصويا على الأرجح. ولطالما «استخدم الناس اللحوم والمأكولات البحرية والخضراوات والحبوب لإنتاج أنواع مختلفة من الـ(جيانغ)». ومن هذه المكونات، كانت الحبوب هي أكثر المواد المتاحة والسهلة التي يمكن التحكم فيها، والأمر نفسه ينطبق على الـ«جيانغ» المصنوع من فول الصويا والقمح على وجه الخصوص والذي تطور بسرعة أكبر. وانتشرت في نهاية المطاف عملية صنع «جيانغ الحبوب» من الصين إلى اليابان وغيرها من البلدان المجاورة. ومن هناك نشأت وتطورت صلصة الصويا التي نعرفها.
- أصل التسمية
يمكن القول: إن لصلصة الصويا أسماء كثيرة تاريخيا ككل منتجات الصويا، لكن أصل الكلمة أو التسمية صلصة الصويا - Soy Sauce، فهو يعود إلى الاسم الصيني القديم جيانغيو - Jiangyou الذي يعني: السائل المستخرج من الجيانغ «والجيانغ كما هو معروف يشير إلى الأطعمة المحفوظة وتوابلها».
وهناك مصطلح آخر أقل استخداما على نطاق واسع ويشير إلى المنتج ذاته وهو دو - يو - Dou - Yu. وهذان الحرفان اللذان يعنيان «السائل المستخلص من فول الصويا» يلفظان باللغة اليابانية بـ«تاماري» (نوع من أنواع صلصة الصويا). وهناك نوع من صلصة الصويا المشابهة جدا للـ«جيانغ يو» وهي الـ«تشيو – Chiyou» (السائل المستخلص من شذرات الصويا أو صلصة شذرات الصويا). الكلمة الكانتونية لـ«صلصة الصويا» هي «شي - ياو - Shi - yau: أو سي - ياو - Si - yau» (مشتقة من تشيو - Chiyou). الكلمة اليابانية لـ«صلصة الصويا» هو «شويو - Shoyu (تلفظ شو - يو)، التي تتدرج من جيانغ يو وتكتب بالأحرف نفسها».
على أي حال فإن الكلمة الإنجليزية - Soy Sauce - صلصة الصويا، فقد جاءت من الاسم الياباني لصلصة الصويا وهو كما ذكرنا شويو - Shoyu كما يبدو لا من الصينية جيانغيو. ويقال: إن كلمة صوصيا لم تكن موجودة لا في الصينية ولا في اليابانية. وكلمة صويا الإنجليزية التي دائما ما تشير إلى فول الصويا جاءت من اليابانية «شويو» والألمانية صويا - Soja على الأرجح، لا من اليابانية دايزو - Daizu أو الصينية دادو - Dadou اللتين تعنيان فول الصويا.
ويضيف «مركز معلومات الصويا» أن أول مرة ذكر فيها اسم صلصة الصويا كان في عام 1679 ومن قبل الإنجليزي جون لوك وجاء على الشكل التالي: صايو - Saio وهو اسم محرف من الاسم الياباني شويو، إذ إن إنجلترا كان تستورده آنذاك من اليابان.
ولكنّ هناك أشخاصا آخرين في إنجلترا استخدموا اسم صوي - Soy وهذا ما بقي في الأذهان منذ أكثر من 230 عاما أي حتى العشرينات من القرن الماضي. وكان هذا الاسم يشير إلى صلصة الصويا لا إلى فول الصويا.
على أي حال فإن أول استخدام لكلمة صلصة الصويا المعروفة كان على يد أحد الأميركيين عام 1899 وجاء Soy - Bean Sauce، وبعد ذلك جاء الياباني أوشيما عام 1905 واستخدمه كما نعرفه الآن حرفيا صلصة الصويا - Soy Sauce.
- التاريخ
يقول البعض إن تاريخ صلصة الصويا يعود إلى عام 300 قبل الميلاد والبعض يقول إلى 800 قبل الميلاد والبعض الآخر يقول: إنه يعود إلى أيام مملكة عائلة تشو التي حكمت الصين بين عامي 1121 و256 قبل الميلاد حيث كان يستخدم ما سبق وذكرنا الـ«جيانغ» وهو معجون مخمر من اللحم والسمك والحبوب. وبعد ذلك وفي أيام حكم عائلة هان بين عامي 206 و220 قبل الميلاد استبدل الناس المكونات من خلال فول الصويا لأنه كان متوفرا أكثر من غيره من المواد الأخرى، إذ كان من السهل زراعته في تربة فقيرة ويسهل حصاده بشكل عام. وخلال هذا الوقت أنتج الناس معجونا خاصا من فول الصويا المخمر اسمه دوشي - Douchi والدوتشي تحول وتطور ليصبح لاحقا إلى ما نعرفه بصلصة الصويا. وأصبح يعرف ذلك بالصينية الحديثة بين عامي 960 و1279 وأيام حكم عائلة سونغ بجيانغيو - Jiangyou.
وانتقلت صلصة الصويا من الصين إلى اليابان في القرن السابع وأصبحت جزءا لا يتجزأ من المطبخ الياباني والكوري والفيتنامي منذ ذلك الوقت. والبعض يقول: إن ذلك حصل في القرن الثالث عشر.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن صلصة الصويا وصلت إلى كوريا في القرن الثالث ووجدت مراجعها على بعض الجداريات التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع.
كما بدأ استخدام صلصة الصويا في ميانمار في القرنين التاسع والعاشر.
وانتقلت الصلصة إلى الدول الغربية وأوروبا وأميركا في القرنين السابع والثامن عشر حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ أيضا من صلصة الـ«وسترشير» التي تم تطوريها في إنجلترا بداية القرن التاسع عشر. وحسب ملفات شركة الهند الشرقية الهولندية، فن صلصة الصويا كانت إحدى المواد التي يتم استيرادها من اليابان. وجاء في وثائق الشركة أنها كانت تستورد 75 برميلا كبيرا من اليابان وتنقل إلى جاكرتا ثم إلى جزيرة جافا وبعد ذلك يتم نقل 35 برميلا منها إلى هولندا.
تستخدم صلصة الصويا كثيرا في دول العالم قاطبة لكن هناك بعض المطابخ الآسيوية التي لا يمكن أن تستغني عنها ومنها مطابخ الصين واليابان وفيتنام وكوريا وماليزيا وإندونيسيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايوان.
- الصويا في اليابان
لا تقل أهمية صلصة الصويا في اليابان عن الأهمية التي تستحوذ عليها في الصين منذ قرون، ويصعب على اليابانيين الاستغناء عن صلصات الصويا ولهذا هناك عدة أنواع منها: الكوي كوتشي شويو - Shoyu koi kuchi وأوسو كوتشي شويو - Usu Kuchi Shoyu وتاماري شويو - Tamari Shoyu وسايشيكومي شويو - Sai Shikomi Shoyu وشيرو شويو - Shiro Shoyu. كوي كوتشي الأكثر الأنواع المعروفة ذات طعم قوي طيب جدا.
- الصويا في الفلبين
يطلق أهل الفلبين على صلصة الصويا اسم تويو - toyò الذي يستخدم للتعبير عن الاسمين الصيني والياباني الـ«جيانغيو» والـ«شويو». وعادة ما تكون النسخة الفلبينية أخف وأكثر ملوحة من غيرها من صلصات بلدان جنوب شرقي آسيا. وأحيانا تقدم الصلصة إلى جانب الخل وصلصة السمك وأحيانا تخلط مع غيرها من الصلصات. وتستخدم الصلصة الطيبة في أحد أهم الأطباق الفلبينية وهو طبق دجاج أدوبو الذي يطبخ ببطء ويحتوي على الثوم وورق الغار والفلفل الأسود المطحون وصلصة الصويا والخل.
- الصويا في إندونيسيا
يطلق على صلصة الصويا في إندونيسيا اسم كيتجاب - kecap أي الصلصات المخمرة. وهو اسم مماثل لاسم الـ«كاتشاب» . وتعتبر صلصة كيتجاب مانيس - kecap manis النوع الأكثر شعبية في المطبخ الإندونيسي وهي صلصة حلوة المذاق. ويستخدم مصطلح «كيتجاب» أيضا لوصف الصلصات الأخرى غير القائمة على الصويا، مثل كيتجاب إيكان (صلصة السمك) وكيكاب إنغريس (صلصة وسترشير). توجد ثلاثة أصناف شائعة من الكيتجاب القائم على فول الصويا في المطبخ الإندونيسي، وتستخدم إما كمكونات أو توابل:
كيتجاب مانيس - kecap manis الحلوة والسميكة، وصلصة كيتجاب مانيس سيدانغ - Kecap manis sedang المعتدلة الحلاوة والأكثر ملوحة وصلصة كيتجاب أسين - Kecap asin وهي صلصة مكثفة وقوية وداكنة اللون تشبه النسخة اليابانية الأصلية.
- كيفية تحضير صلصة الصويا
لتحضير صلصة الصويا تحتاج إلى فول الصويا - القمح - الملح - الماء - الخميرة.
يتم عادة غسل فول الصويا مرتين قبل أن يغمر بالماء ويوضع على النار ليغلي لمدة أربع ساعات، وخلال هذا الوقت يتم تحميص القمح لمدة 25 دقيقة ثم يطحن قبل أن يخلط مع الفول.
بعد نضج الفول يتم فرده في أوعية مسطحة ومستطيلة حتى يبرد إلى 33 درجة حرارة مئوية، ثم يضاف إليه القمح ويخلط جيدا وبعد ذلك يضاف إلى الخليط بعض الخميرة ويخلط جيدا من جديد.
نسب القمح والفول والخميرة مهمة جدا هنا وتبقى عادة من أسرار الشركات التي تصنعها.
لتفعيل الخميرة يوضع الخليط في جوارير خشبية في غرف يمكن التحكم بدرجات حرارتها لمدة 48 ساعة... ويفترض أن تكون الغرف معتدلة الحرارة والرطوبة وفق الطرق الصينية البدائية.
بعد ذلك يتم خلط ملح البحر مع ماء الينابيع الصافية في أوعية كبيرة أو براميل وتتم إضافة خليط الفول والقمح والخميرة إلى الماء المالح، يتم الخلط من جديد وبعدها إغلاق البراميل بأحكام وتركها للتخمر. بعد ست أسابيع من التخمر تفتح البراميل للتهوية والخلط من جديد وبعد ذلك يتم فتح البراميل مرة كل أسبوع للتهوية. تبقى البراميل في مرحلة التخمير سنة كاملة حتى يكون خليطها جاهزا ومخمرا. بعد السنة يتم فتح البرميل للمرة الأخيرة للتهوية والخلط من جديد. وبعد ذلك يسكب الخليط على شراشف أو قطع القماش المفروشة على أوعية من الحديد الصلب المسطحة والمستطيلة. يلف الخليط بالقماش ويوضع عليه قطع الخشب ويضاف إلى الخشب بعض الأثقال والأوزان ويتم الضغط على الخليط أو بكلام آخر عصره للحصول على صلصة الصويا عبر أنبوب أوعية الحديد. ما تبقى من الفول المعصور يطعم إلى الحيوانات كعلف.