‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ الخبز - History of Bread. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ الخبز - History of Bread. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

تاريخ الخبز - History of Bread




الفينيقيون كانوا افضل الخبازين
الخبز.. ساعد على التحضر واخاف الحكام من الثورات 

 sliced breads


لندن - كمال قدورة 
الخبز واحد من اهم العناصر الاساسية والغذائية لدى معظم الشعوب منذ قرون طويلة ، وفيما يعتبر اول الاطعمة، تعتبر حرفة الخباز من اول الحرف التي عرفتها البشرية.
وبالإمكان رؤية ارغفة الخبز القديمة التي كان ينتجها ويصنعها الفراعنة قبل 5000 سنة شاهدة للعيان في المتحف البريطاني حتى الآن الى جانب حبوب القمح التي كانت تزرع ، تحصد وتجفف على ضفاف النيل. ويقول العلماء ان الحبوب او النباتات الحبية ( من الفصيلة النجيلية ) وخصوصا الشعير والقمح والشوفان والذرة من انواع الاعشاب البرية لكن اصل عشبة القمح حتى الآن لا يزال مجهولا. وكان المصريون في القرن الثاني عشر قبل الميلاد كانوا يشترون الخبز في الاسواق الشعبية وكانوا يطلقون عليه اسم " تا" . لكن لا يزال هناك جدلا كبيرا إذا ما استخدم الفراعنة الخميرة ام لا من قبل المختصين . ومع هذا فالخبز اقدم من الفراعنة بكثير، إذ عثر العلماء على اثار القمح في كل التجمعات او المستوطنات البشرية التي كانت موجودة قبل 8000 عام، ولذا يعتبر جزءا لا يتجزأ من التطور الزراعي  والمدني والبشري بشكل عام . وعلى ما اذكر ان العلماء قبل سنوات، عثروا على حبوب القمح القديمة جدا والتي يعود تاريخها الى  حوالي 10000 سنة من الآن في مناطق اريحا وسوريا ولبنان. ويقال ان الخبز المسطح المصنوع من الشعير عرف اولا في العراق القديم أي ايام السومريين .
وقد ذكر الخبز كثيرا في ادبيات وشرائع اليهود والمسيحيين بعد ذلك بنوعيه المختمر وغير المختمر . واعتمد الاغريق على الحبز ولا يزالون كما هو الحال مع الرومان والمبراطورية الرومانية التي اعتبرته جزءا لا يتجزأ من الاستقرار الغذائي . ومن ذلك الوقت يدور الجدل حول الخبز الابيض والخبز الاسمر وما هو الافضل من غيره للصحة والجسم . ولولا القمح والحبوب والقدرة على زراعتهما واستغلالهما وتخزينهما من فصل الى آخر، لما تمكن البشر من الإستقرار والإستطيان وبالتالي التحضر في قديم الزمان ، فقد كان اهل العصر الحجري يصنعون كعكات الخبز الكبيرة بعد طحن الشعير والقمح معا بمطاحن حجرية ثقيلة يعود تاريخ بعضها الى 7500 سنة ، أي قبل ان يقلعوا عن الحياة البرية والشاردة وراء قطعان الماشية وطرائد الصيد .  
كل الاشارات في العهد القديم تشير الى ان المرأة كانت مسؤولة عن الخبز وصناعته في المنزل ، وكان الاغنياء والملوك والامراء يحترمون الخبازين الذين يعملون داخل قصورهم . ورغم ان اليهود عرفوا الخبز مع الخميرة حتى ينتفخ ، فإنهم يحتفلون سنويا بذكرى الخروج من مصر بتناول الخبز غير المختمر اكراما للذين خرجوا من مصر ولم يأكلوا خبزهم مختمرا بسبب العجلة في رحيلهم.
ويقول العلماء ان مدينة بومباي التي دمرها احد البراكين وغطا بيوتها واهلها بالطمي البركاني ، كانت تعرف قبل الكارثة المخابز الشعبية ، أي الامكنة التي كان يستخدمها الناس اما لخبز عجينتهم او شراء الخبز . وعرفت عاصمة الامبراطورية روما اضافة الى المخابز الشعبية والخاصة ، كليات تعليم مهنة الخباز ، وكان الخبازون محترمين لدرجة انهم كانوا يعتبرون من سكان المدينة الاحرار ولا علاقة لهم بعالم العبيد وتجارته، ومنذ ذلك الوقت اصبحت الخبازة حرفة بحد ذاتها مستقلة ومهمة جدا . وكانت الكليات او السلطات في روما تمنعهم من اتخاذ مهنة اخرى او الخروج عن المهنة وكانوا يشجعون وراثة الابناء لها ومتابعتها لفترة طويلة. ومع هذا كانوا ايضا محرومين من الإختلاط بالناس العاديين وبالتالي حضور الإحتفالات والعروض الشعبية في الساحات العامة والكولوسيوم مخافة التقاطهم لبعض الامراض او الفيروسات. 
وكما هو الحال مع الاغريق واهل اليونان قديما احب الرومان الخبز الابيض ، إذ كان اللون ايام المؤرخ بليني عام 70 دلالة على نوعية الخبز . ويقول بليني في احد كتبه:" قمح قبرص ينتج خبزا داكن اللون ولهذا السبب يتم خلطه بقمح الاسكندرية الابيض". ويشير بليني في كتاباته الا ان اهل الجزيرة الإيبيرية وبعض المناطق الاوروبية كانت تستخدم الجعة او النبيذ او عصير العنب ( حسب المنطقة ) كبديل عن الخميرة وفي حال تعذرها . وكان البعض احيانا يبقي على قطعة عجينة مخمرة صغيرة للعجنة المقبلة .
وكان افلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد، يعتبر الخبز احد العناصر الاساسية لتمتع بشيخوخة مريحة وحياة طويلة ، رغم ان بعض الخبازين آنذاك كانوا يستخدمون مياه البحر المالحة لتوفير الملح وتكاليفه.
الرومان بشكل عام عرفوا الكثير من انواع الخبز منها الخبز المصنوع بالمحار، واما الخبز المصنوع بالبيض والزبدة والحليب فكان حرا على الاغنياء والميسورين . وقد ترك الرياضي والفيلسوف اليوناني -المصري اثينيوس في القرن الثالث، الكثير من المعلومات عن عالم الخبز والمخابز وسبل صناعته ومواده وغيرها من التفاصيل التي كانت مألوفة في تلك الفترة.
ويقول اثينيوس في احد كتبه، ان افضل الخبازين كانوا الفينيقيين واهل بلدة ليديا في غرب تركيا . ويفصل في حديثه عن الخبز المصنوع بالخميرة او المختمر وغير المختمر وانواع الطحين والحبوب بالإضافة انواع الخبز المصنوعة من الجريش او البرغل المعروفة ب"الغوت" وحبة الدخن وما يعرف بحنطة ال"ري " بالإضافة الى الخبز المصنوع من البلوط، والخبز المصنوع بالجبن والخبز المحمص والحلويات البلدية الصغيرة . ومع هذا كان الخبز الابيض المصنوع من دقيق القمح اهم الانواع واكثرها شعبية .
وفي اليونان قديما وقبل الرومان كانت المدن تتنافس فيما بينها على نوعية الخبز ومن يصنع افضل الانواع، وبالطبع كانت اثينا العاصمة تحوز على اعلى المراتب، وعرفت ولا تزال حتى الآن بخبازها الشهير "ثييريون "( Thearion).
وقد كتب لينكيوس الذي كان يروج لخبز جزيرة رودس ، عن اهل اثينا قائلا :" يتكلمون كثيرا عن خبزهم ، الذي يمكن شرائه من الاسواق ، الا ان اهل رودس يضعون على طاولة الطعام افخر الانواع ... وهناك نوع يطلق عليه اسم " هيرث لوف " (hearth loaf) ( رغيف الموقد) مصنوع مع اشياء حلوة وهو خفيف جدا ، وهو لذيذ جدا ومصنوع بتناغم افضل صناعة لدرجة انه يشعر الرجل المشبع بالجوع ". اما الكاتب يوبيولوس، فقد كان يتغنى بخبز جزيرة قبرص ، ويقول انه يجذب الجائعين في الشوارع.     
وبين بريطانيا والخبز علاقة قديمة ايضا ، إذ دائما ارتبط الخبز بالمخاوف السياسية والمخاوف من جوع العامة والفلاحين وعدم تمكنهم من شراء الخبز وبالتاي الثورة ، ولهذا كانت هناك قوانين كثيرة تشرع مهنة الخباز وتفرض اسعارا محددة لا يمكن تعديها على الخبز منذ القرن الثالث عشر ايام الملك جون . ولهذا ايضا ، وقبل ذلك ، جاء ذكر الخبز في وثيقة ال" ماغنا كارتا" (Magna Carta) المعروفة والتاريخية ( عام 1215 )، التي اسست للعلاقة القانونية بين الحاكم والمحكوم او بكلام آخر بين الملك ورعاياه  وبكلام ادق كانت اول وثيقة عن الحقوق المدنية . ولطالما راقبت السلطات البريطانية مثل ذلك الوقت اوزان الخبز وانواع الطحين واسعار المواد وراقبت كل شاردة وواردة في هذا القطاع الهام ، وكانت مداخيل الخبازين رغم الاحترام الكبير لهم، اقل من غيرها لان مهنتهم دائمة وثابتة .     
وهناك الكثير من القصص في التراث الشعبي البريطاني في تلك القرون عن محاولات الخبازين الغش وحالات القاء القبض على البعض .
وظل البريطانيون كالكثير من الشعوب يستخدمون المطاحن التي تعمل على الطاقة المائية او الهوائية ( الريح) حتى الثورة الصناعية واكتشاف المحرك البخاري، إذ تحولت معظم المطاحن الخاصة بالطحين من المحركات القديمة الى المحركات التي تعمل على البخار نهاية العام 1880، مما احدث ثورة اخرى في عالم الاكل والناس، لم يسبق لها مثيل إذ ان استخدام المطاحن الحديثة ( صممها مهندس سويسري وتعمل بمداحل الصلب، ادى الى تراجع كبير في تكلفة انتاج الخبز وبالتالي تراجع اسعاره وتوفيره لجميع طبقات المجتمع كما هو الحال الآن.
وايام الحربين العالميتين الاولى والثانية، وضعت السلطات البريطانية شروطا لا تحصى ولا تعد على استخدام الخبز والطحين وقننته ورشدته ، لدرجة انها كانت تقرر حجم وشكل الرغيف وما في داخله . وشهد العام 1912 ولادة ماكينة تحميص الخبز الابيض الافرجني ( التوست ) وقد صممها اوتو رويدار وكانت مخابز ميسوري في الولايات المتحدة آنذاك اول المخابز التي تستخدمها في العالم .
مهما يكن فإن عالم الخبز وصناعة الخبز والطحين قد تطور بشكل لم يسبق له مثيل ، واصبحت الآلآت والمكانيات التي تنتج طينه وتنتجه تعمل بتقنية " الديجتال " المتطورة ، وصار بالإمكان صناعة الخبز في المنزل بمكانية صغيرة حجم طنجرة الطبخ ، واصبح هناك الكثير من انواع الخبز المعروفة والمشهورة والمتوفرة في الاسواق خصوصا الاسواق الاوروبية من الخبز الفرنسي او ما يعرف ب"غرنش ستيك " الطزيل الشكل الى الخبز اليوناني والتركي المغمور بالسمسم وما يعرف ب"البيتا" والخبز العربي اللبناني النحيل والمسطح والخفيف . وهناك انواع كثيرة مشهورة في سويسرا والمانيا وبريطانيا واسبانيا والبرتغال .
ويطلق عليه اهل اليوناني اسم "بصومي"، ويصنعون الكثير من انواعه المنتفخة والمحمصة السطح ، كما يستخدمونه ويستخدمون الطحين في صناعة الكثير من الحلويات والسكامر وغيره.
ولا يزال الكثير من اليونانيين يكنون للخبز مكانة خاصة بسبب الحروب التي شهدتها البلاد والحرب الإهلية بعد الحرب العالمية الثانية وصعوبة الحصول على الخبز وخصوصا في المناطق النائية والبعيدة .        
بالنسبة للناس الخبز يعني اكثر من مادة غذائية رغم انها كذلك ، ولها معاني ودلائل واشارات دينية وثقافية وسياسية وحضارية معينة منذ زمن طويل. مع ان اهمية الخبز الغذائية ايضا تختلف من بلد الى آخر ومن شعب الى شعب، فمثلا العالم الثالث والعالم العربي من ضمنه يستخدم الخبز بكثرة ويصعب الإستقرار السياسي من دون ضبط اسعاره ، ولا تزال ذكريات ثورة الخبز في القاهرة ايام حكم الرئيس انور السادات في السعبينات ماثلة للعيان. ويعتبر الخبز في البلدان الفقيرة ومنها العربية المادة الاولى للغذاء أي قبل أي شيء آخر ، بينما بعض الشعوب الاوروبية لا تستخدمه كثيرا وان استخدمه فإنها تستخدمه بكميات قليلة وخفيفة وتعتمد بعض الشعوب الآسيوية على الارز كمادة اساسية وليس الخبز . وفيما يستخدم اليهود كلمة الخبز للدلاة على الضرورة احيانا مثل " لخيم افودا " ( خبز ، عمل)، استخدمها سكان شرق لندن في الخمسينات لتعني المال وهي كذلك في الكثير من مناطق العالم حاليا. ومع هذا تظل مرتبطة بالأساسيات والضروريات في الحياة . ويستخدم الإنكليز ايضا تعبير " برد وينار "(bread-winner  ) لدلالة على النواحي الإقتصادية والربح والكسب . وكما تؤكد الوثائق التاريخية فإن لينين ايام الثورة البلشفية في روسيا بداية القرن الماضي وعد الروس ب"السلام والارض والخبز " . وفي الوقت الذي تعتبر فيه بعض الشعوب الخبز طارادا للاشباح والجن، لا تزال الشعوب السلافية تقدم الخبز والملح كعربون ترحيب بالزائر . وفي الهند، فإن اساسيات وضروريات الحياة تعني الخبز والملابس والمنزل .
 وفي إطار المكونات الطبيعية، تشير المعلومات المتوفرة، ان الخبز الابيض يحتوي على الكثير من المواد الهامة منها النشويات( 51 غرام) والدهون ( 3 غرام ) والألياف ( 2.4 غرام ) والبروتين (8 غرام ) فضلا عن فيتامين "بي1 " او ثيامين (0.5 ملغم – 38 % ) وفيتامين "بي 2" او ريبوفلافين (0.3 ملغم – 20 % ) وفيتامين "بي 3 " او نياسين (4 ملغم – 27% ) والصوديوم ( 681 ملغم – 45%).