الكركم.. «الجميل كضوء القمر»
«الزعفران» و«الهرد».. وفي كل بلد تسمية
لندن: كمال قدورة
يعد الكركم Turmeric من أهم البهارات في العالم؛ إذ لا يستخدم فقط مثل بقية التوابل في أطباق الكاري المختلفة في القارة الآسيوية، بل في الصباغة وعلاج كثير من الأمراض.
ويطلق على الكركم الجميل كثير من الأسماء، لولع عديد من البلدان والناس به وباستخداماته، أقلها «بهار الحياة». كما يطلق عليه اسم الزعفران الهندي، بسبب لونه الأصفر البرتقالي الداكن، ويسميه الإيرانيون «الهرد»، وأحيانا يسميه الناس «الكركب»، وأحيانا أخرى «بقلة الخطاطيف»، وأحيانا كثيرة «عروق الصباغين» و«الزرنب الجدوار» و«عقيد الهند»، وكان داود الأنطاكي قد ذكر في كتاب «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب» أن «الورس يُطلق عندنا على الكركم، وقيل هو أصله، وهو نبت يُزرع فيخرج عروقا كالقطن وحمله كالسمسم، وتبقى شجرته عشرين سنة». وقد استخدم الترمذي اسم الورس في جامع أحاديثه أيضا.. «إذ كانت النساء أيام الرسول صلى الله عليه وسلم تستخدمه لعلاج الكلف». بأي حال، فإن التسمية تعتمد على البلد والمنطقة التي تستخدمه من باكستان والهند إلى إيران والجزيرة العربية وإندونيسيا وتايلاند والصين، وغيرها من البلدان التي تستخدمه بكثرة.
والكركم الذي جاء من جنوب غربي الهند هو من أنواع الجذامير والنباتات العشبية المعمرة ومن الفصيلة الزنجيلية، ولذا يشبه كثيرا الزنجبيل الأصفر العادي في شكله المعوج.
ويحتاج نبات الكركم عادة إلى درجات حرارة عالية وكثير من الماء للنمو، ولذا يأتي طعم جذوره حارا ومرا وأشبه بالخردل. وعندما لا تستخدم الجذور طازجة (بقشوره أو من دونها) يتم سلقها قبل تجفيفها وطحنها للتحول إلى بودرة تباع في الأسواق.
ورغم أن زراعته تنتشر في جامايكا وهايتي وتايوان وباكستان والهند وإندونيسيا والصين، فإن الكركم جاء من جنوب غرب الهند وإندونيسيا، حيث كان يستخدم هناك منذ أكثر من 5 آلاف سنة، كما تشير المعلومات المتوفرة. وقد كان يلعب دورا كبيرا في تراث كثير من شعوب آسيا، وهو من أهم النباتات التي تستخدم في الهند للعلاج الطبيعي، وأصبحت له مكانة مقدسة في الطب الهندي «الأيورفيدي» (علم الحياة) (الأيور: حياة - فيدا أو فيدي: علم أو معرفة)، لأنه ينقي جميع أعضاء الجسم منذ عام 500 قبل الميلاد.. وقد نقله التجار العرب إلى أوروبا مثل كثير من المواد والتوابل في القرن الثالث عشر، وقد انتشر استخدامه في العالم الحديث، خصوصا أوروبا وبريطانيا، بسبب شهرة فوائده الصحية والعلاجية؛ إذ يعد مصدرا أساسيا لفيتامين «بي6»، والألياف والمعادن (الصوديوم والنحاس والحديد والكالسيوم والمغنسيوم والبوتاسيوم والفسفور والزنك وغيره) والسكر والحمض الأميني، ولهذا أيضا يأتي الكركم دائما على رأس لوائح المواد والتوابل العالمية الأكثر فائدة صحيا.
وكان علماء الآثار قد عثروا على آثار الكركم في إحدى الجرار القديمة التي يعود تاريخها إلى 2500 قبل الميلاد قرب نيودلهي في الهند.
ويقال إن ماركو بولو أشار إلى الكركم على أنه الزعفران الهندي الذي كان يستخدم لصباغة الملابس عام 1280، ويقول مايكل كاسلمان إنه على الرغم من وعي الإغريق القدامى بأهمية الكركم، فإنه لم يحظ باهتمام الأوروبيين والأميركيين، كما حصل مع الزنجبيل من ناحيتي الفوائد الطبية والمطبخية، ولذا انحصر استخدامه في أوروبا لفترة طويلة لغايات الصباغة.
ويقال إن الكركم انتقل إلى الصين في عام 700م، وبعد مائة عام من ذلك انتقل إلى شرق إفريقيا وغربها عام 1200 وجامايكا في القرن الثامن عشر.
وقد جاء ذكره فقط في كتاب «تسهيل فن الطبخ» للكاتبة هنا غلاس عام 1747، عندما تحدثت عن إحدى وصفات المخلل الهندي بالكركم، وظل الأمر على هذه الحال حتى بدأ الألمان بدراسته والبحث فيه في بداية العشرينات من القرن الماضي، وقد تمكنوا من إنتاج زيته والتعرف على بعض خواصه الطبية والعلاجية.
وقد صدر خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية أكثر من 3 آلاف كتاب عن فوائد ومحاسن الكركم الطبية.
وتضيف الموسوعة أن الكركم كان يعد ميمونا ومقدسا في الهند، ولطالما استخدمه الهندوس في احتفالاتهم الدينية والأعراس منذ قديم الزمان. وقد لعب الكركم دورا مهما في الروحانية الهندوسية؛ إذ كان الكهنة الهندوس يصبغون الجلابيب به، كما كان لونه الأصفر البرتقالي مرتبطا بالشمس في الأساطير التاميلية الدينية القديمة. ولا يزال الكركم من النباتات التسع المقدسة عند التاميل، إلى جانب الموز وأوراق القلقاس والشعير والتفاح والخشب والرمان والأرز.
كما يستخدم جذمور الكركم في جنوب الهند حتى الآن لطرد الشر وإبعاد الأرواح الشريرة.
ويقول فريدريك ريتزل، في كتابه «تاريخ البشرية» عام 1896، إن الناس في مايكرونيزيا كانوا يستخدمون مسحوق الكركم لتجميل الجسم والملابس والأواني خلال الاحتفالات والطقوس الدينية.
ولا يزال كثير من البنغال يصبغون جسد العريس والعروس بالكركم الأصفر قبل أيام من العرس، ولا يزال الكركم يقدم إلى «آلهة الشمس» سوريان خلال احتفالات بونغال التاميلية كعربون شكر.
أنواع الكركم كثيرة، ويصل تعدادها إلى سبعين نوعا، وأهمها هو كركم «لونغا» Curcuma longa كثير الاستعمال، الذي يطلق عليه اسم «الزعفران الهندي» Indian saffron وموطنه الأصلي سريلانكا، وكركم مدراس Madras الذي يستخدم كثيرا في بريطانيا وأميركا، وهو من أنواع الكركم التي تزرع في مناطق التاميل في الهند، و«الليبي» Alleppey المكثف الطعم والداكن اللون، و«الفينغر» Finger الذي يأتي من ولاية كارالا الهندية، ويفضله كثير من الطباخين لطعمه اللذيذ. وهناك كثير من الأنواع الأخرى المرتبطة بنوع كركم لونغا، وهي أنواع برية وغنية بالزيوت تهتم بها الصين مثل أنواع «زيدواريا» Zedoaria و«مانغا» Manga، و«خانثوروهيزا» Xanthorrhiza، التي تزرع في ماليزيا، و«أروماتيكا» Aromatica، و«كاسيا» Caesia اللذين يزرعان في بنغلاديش وشمال الهند.
وتشير الموسوعة الحرة إلى أن أصل اسم كركم الإنجليزي «تومريك» urmeric Curcuma longa غير واضح، وعلى الأرجح أنه جاء من الإنجليزية القديمة من «تاماريت» tarmaret، وهذه تعود إلى اللاتينية «تيرا ماريتا» terra merita التي تعني «الأرض المستحقة»، أو «الأرض الجديرة بالتقدير»، وذلك في إشارة إلى لون الكركم الترابي. ويطلق عليه الفرنسيون اسم «تيري ماريت» terre merite الذي يعني «الجذر الأصفر».
إن اسم جنس نبتة التومريك هو الزعفران Crocus، الذي تدرج من الاسم اليوناني القديم κρόκος – krokos الذي يتدرج بدوره من اللغات الآرامية والعربية بشكل خاص «كركم» kurkum\ Curcuma وهو الاسم العربي الذي يطلق على الزعفران.
ولأن للكركم مكانة خاصة في تعاليم الطب التقليدي في شبه القارة الهندية «الأيورفيدا» فله أكثر من مائة اسم سنسكريتي في الأدب الأيورفيدي، وفي هذه الأسماء يمكن فهم أهميته الطبية والاجتماعية الشعبية والدينية وغيرها من الدلالات التراثية. ومن هذه الأسماء: «جيانتي» jayanti الذي يعني «المنتصر على الأمراض»، و«ماتريمانيكا» matrimanika الذي يعني «الجميل كضوء القمر»، و«بهادرا» bhadra الذي يعني «المحظوظ»، و«كاشبا» kashpa الذي يعني «قاتل الدود»، و«نيشا» nisha أي «الليل»، و«بافيترا» pavitra أي «المقدس»، و«يوفاتي» yuvati أي «البنت الصغيرة»، و«فايراجي» vairagi أي «الذي يبقى حرا من الرغبات»، وغيرها كثير من الأسماء الجميلة والمعبرة.
لسنا هنا بصدد الفوائد الطبية الهائلة للكركم التي تُحصى ولا تُعد، والتي تحتاج إلى مقالة مطولة أخرى، لكننا نحاول التعرف إلى تاريخ الكركم وعلاقة الناس به واستخداماته المطبخية.
ويشير كثير من المصادر إلى أن الكركم جزء لا يتجزأ من كثير من الوصفات والأطباق في جنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط. وكثيرا ما يستخدم في الأطباق اللذيذة المملحة والطيبة وبعض أطباق الحلوى، كحلوى «الصفوف» الذي ينتج من طحين السميد والصنوبر واللوز والكركم. ويستخدم الهنود أوراقه لهذه الغاية، أي لتحضير وصنع الحلوى، ومن هذه الأنواع، نوع باتولي Patoli، أو ما يعرف بكعكة ورق الكركم التي تعرف كثيرا في المناطق الساحلية لغرب الهند. وعادة ما يصنع البتولي من جوز الهند المبروش والأرز ومعجون التمر (الجاغري) قبل أن يوضع في ورق الكركم ويترك على نار هادئة للتبخير. ولا يقتصر استخدام الأوراق الطازجة على الحلوى، بل تستخدم في كثير من الولايات الهندية لطبخ وتحضير كثير من الأطباق.
وخارج جنوب شرقي آسيا عادة ما يستخدم الكركم لصناعة وإنتاج البوظة، في منتجات الألبان والأجبان والكعك وعصير البرتقال والبسكويت والبوشار وشتى أنواع الصلصة والجلاتين، وجزء لا يتجزأ من مسحوق الكاري المعروف والمشروبات المعلبة وغيرهما.
وبالإضافة إلى استخدام الأوراق والمسحوق، يستخدم الكركم طازجا مثل الزنجبيل في عمليات الطبخ والتخليل. ويلجأ الناس في إيران إلى استخدامه في أطباق اليخنة المعروفة بـ«الخروش» عبر قلي البصل بالزيت والكركم.
وفي تايلاند يستخدم الكركم لإنتاج أطباق الكاري المحلية وشتى أنواع الحساء. ويستخدم الإندونيسيون أوراقه ومسحوقه لإنتاج الكاري. وكذلك الأمر في فيتنام، إلا أن الفيتناميين يضيفونه إلى الأطعمة المقلبة بسرعة التي يطلق عليها اسم «ستير فراي».
في حين يستخدمه أهل نيبال في كثير من الأطباق النباتية وأطباق اللحوم، يستخدمه الناس في جنوب أفريقيا فقط لصباغة الأرز وتحويله من أرز أبيض إلى أرز أصفر، وهذا شيء عادي وتقليدي في كثير من الدول.
* من وصفات الكركم المعروفة فطورًا للصباح «متبل اللفت»
المقادير:
- بيضتان.
- كوب من اللفت أو الكرنب المقشر والمقطع.
- ملعقة طعام من الزبد.
- ملعقة شاي من مسحوق الثوم.
- ملعقة ونصف من مسحوق الكركم.
- بعض بهار الفلفل الأسود المطحون والملح.
طريقة التحضير: يتم عادة قلي اللفت في الزبد قبل إضافة البيض المخفوق إلى الخليط. وبعد ذلك يضاف إلى الخليط مسحوقا الثوم والكركم، والملح والفلفل الأسود المطحون.