الفجل.. الثمرة المتواضعة
لُقب في أميركا بـ«الملك الأحمر» و«فاتنة الثلج»..
لندن : كمال قدورة
عادة ما يأتي الفجل الذي عرفه أهل أوروبا قبل الإمبراطورية الرومانية، بعدة أنواع وعدة أحجام، وعدة ألوان، وهو من النباتات والثمار التي تزرع في جميع المواسم. وتعتمد فترة تحصيله على نوعه. لكن بشكل عام تستغرق عملية نمو الصيفي منه بين ثلاثة وأربعة أسابيع. ويمكن بالطبع زراعته لعدة مرات خلال فصل الصيف، وخصوصا في بلدان المتوسط. وتفضل النبتة التي تتوفر على مدار العام في اليابان وأوروبا التربة الرملية. وبالطبع هناك نوعان رئيسيان، وهما الفجل الأوروبي الأبيض الطويل أو ما يسميه البعض بـ«الهولندي» (European radish)، الذي يزرع خلال الشتاء أيضا، ولا تستغرق عملية نموه أكثر من أربعة أسابيع كما هو الحال مع الصيفي والصغير. وفيما لا يتمتع الصيفي بوزن يذكر، يصل وزن الشتوي أحيانا إلى كيلوغرام للفجلة الواحدة، وهو أكثر حلاوة من غيره من الأنواع وذو استخدامات عدة.
وفي الولايات المتحدة يستخدمون نوعا أبيض يدعى «وايت آيسيكل» (White Icicle) منذ القرن السادس عشر، أقصر من الأوروبي أو الهولندي وأنحف وأقل وزنا، بطول 10 سنتم تقريبا. ويعني الاسم «كتلة جليدية بيضاء». وفي فرنسا يستخدمون نوعا مماثلا لكن أحمر اللون يسمى «فرنش بريكفاست» (French Breakfast) أي «الفطور الفرنسي» المعتدل الطعم، بالإضافة إلى «بلم بيربيل» (Plum Purple) الذي يعني «الخوخة الليلكية» نسبة إلى لون الفجلة. وفي هولندا يستخدمون شرائح الطويل الأبيض من الفجل على الفطور مع الخبز والزبد ويطلقون عليه اسم «غالا آند رودبول» (Gala and Roodbol).
وتعرف إسبانيا بإنتاج الشتوي منه وخصوصا نوع «بلاك سبانيش» (Black Spanish)، أي «الإسباني الأسود» الذي كان معروفا في كل من إنجلترا وفرنسا في القرن السادس عشر، وهو داكن من الخارج وأبيض القلب لكن عريض، ويصل طوله إلى نحو 10 سنتم أيضا. ومن الأنواع المعروفة جدا نوع «دايكون» (Daikon) الأبيض الطويل الذي يطلق عليه أهل إنجلترا أحيانا اسم «الفجل الياباني» (Japanese radish) و«الفجل الصيني» (Chinese radish) و«الفجل الشرقي» (Oriental radish)، وهو من أصول تعود إلى جنوب شرق آسيا. وهناك أنواع حارة منه تستخدم كثيرا في بعض البلدان الآسيوية، وخصوصا اليابان، ويصل وزن الفجلة أحيانا من هذا النوع بين 10 و30 كيلوغراما. ومن الأنواع الصيفية الصغيرة والمكورة والتي تستخدم في الولايات المتحدة أيضا بكثرة، «رد كينغ» (Red King) (معتدل الطعم) الذي يعني «الملك الأحمر» و«سنو بل» (Snow Belle) (طري) الذي يعني «فاتنة الثلج». وواضح الغزل الرفيع بالنبتة الجميلة والثمرة الطيبة والمفيدة في الولايات المتحدة التي تنتج منه كميات كبيرة كل عام، وتستغل زيوته لغايات كثيرة.
ومن المعروف أن زهرة الفجل تتألف من أربع ورقات كما هو الحال مع جميع أنواع عائلة (Brassicaceae) النباتية، أو عائلة الخردل إذا صح التعبير. وتستخدم هذه الأزهار إلى جانب الأوراق (مفيدة جدا للجسم وغنية بالحديد ويقال إنها تحارب بعض أمراض السرطان) في صناعة السلطة كبهارات. ويلجأ البعض إلى زراعة الفجل فقط لتحصيل البذور التي تستخدم مع السلطة أو تؤكل كمازّة لطعمها الحار والفاتح للشهيّة كما هو الحال في ألمانيا. وتتضمن بذور الفجل ما نسبته 48 في المائة من الزيت. ورغم أن الزيت غير صالح للأكل فإن الكثيرين يرشحونه ليكون أحد أنواع الوقود الطبيعية الجديدة كالكثير من الزيوت النباتية.
وفي عالم المطبخ يُستخدم الفجل كثيرا بشكل عام لصناعة الكعك، ويؤكل طازجا إلى جانب الكثير من الأطباق الرئيسية، ويؤكل مخللا وكمربى. وهو من الخضراوات المرغوبة والمطلوبة جدا في لبنان وفلسطين وسوريا وتركيا وإيران. ويصعب أن تجد مطعما لبنانيا لا يقدم الفجل إلى جانب الخضراوات الطازجة قبل الطبق الرئيسي لفتح شهية الزبائن وتزيين الطاولة. ويتناول أهل هذه البلدان الفجل الطازج، وأنواعه الطويلة والثخينة المكورة بشكل خاص، إلى جانب الحمص والفول والمجدرة (عدس وبرغل أو أرز) والبابا غنوج (متبل الباذنجان)، وبعض أنواع الشوربة وخصوصا شوربة العدس، والأطباق الباردة عادة بالإضافة إلى مقالي الباذنجان والبطاطا والبندورة والكوسا والفلفل الحر.
من قديم الزمان يُعتبر الفجل من المشهيات أو المقبلات كما يقول أهل لبنان، رغم فوائده الغذائية القليلة، وقد ذكره عبر التاريخ الكثير من الشعراء والفلاسفة. ويبدو أن هذه النبتة الطيبة انتشرت منذ زمن طويل من الصين باتجاه الشرق والبحر المتوسط قبل أن تنتقل إلى أوروبا وغيرها من دول العالم الحديث والجديد، وقد ذكر الفيلسوف كونفوشيوس الفجل عام 479 قبل الميلاد. وعُرف الفجل في اليونان القديمة أيضا، وكانوا يقدمونه قرابين للآلهة على أطباق من الذهب كما هو الحال مع اللفت والبنجر. وقبل ذلك كشفت الآثار الفرعونية القديمة أن الفجل كان جزءا من الغذاء العام إلى جانب البصل والثوم للعبيد الذين كانوا يعملون في بناء الأهرامات (2780 قبل الميلاد). كما ذكره الشاعر الروماني هوراس (Horace) أنه من النباتات التي تعالج المعدة البطيئة أي التي تعاني مشكلات أو سوء الهضم.
ولا يزال أهل المكسيك حتى الآن يقيمون الإحفالات الفنية له، إذ يقام مهرجان خاص يتنافس خلاله الفنانون بحفر الفجر وإقامة التماثيل منه. وهو أيضا منذ زمن طويل من أهم المخللات التي يتناولها ويفضلها أهل اليابان. ولم يبدأ استغلال الفجل على نطاق واسع قبل القرن السادس عشر، وبعد ذلك انتشر في أميركا الشمالية وتكاثرت زراعته. وكان الألمان يخللون جذور الفجل الأبيض الطويل والرفيع (أصله من شرق آسيا لكنه كان ينتشر بكثرة في أوروبا)، ويقدمونه إلى جانب اللحم في القرن السابع عشر.
ورغم أنه لا توجد أي حفريات تشير إلى بدايات استغلاله على نطاق واسع، فإن الاعتقاد أن الفجل بدأ يُستغل على هذا النطاق حول العالم وبانتظام في غرب آسيا وأوروبا ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.
الاسم العلمي للفجل بالإنكليزية «راديش» (radish) هو «رافانوس ستافيوس» (Raphanus sativus) من عائلة «Brassicaceae» وفصيلة رافانوس (Raphanus)، وهي كلمة يونانية الأصل تعني «الذي يظهر سريعا»، أي في إشارة إلى نمو نبتة الفجل السريع، وسبق أن استُثخدمت كلمة «رافانيستروم» (Raphanistrum). إلا أن الكلمة «راديش» نفسها تعود على الأرجح إلى كلمة «راديكس» (Radix) التي تعني «جذر». ويطلق الإسبان على الفجل اسم «رابانو» (Rabano)، والألمان «das Radieschen»، والأتراك « ترب» (Turp)، وفي الفرنسية «راديس» (Radis)، والكثير من الدول الأوروبية تستخدم نفس الكلمة، وأحيانا محوَّرة.
وتقول الموسوعة الحرة حول جذور الفجل، إنها تفتح الشهية للطعام، وإن عصير الأسود منه وبذوره يستخدمان للتخلص من مشكلات الهضم أو سوء الهضم والإمساك والإسهال، لكن عصيره بشكل عام من المواد الملينة والمدرة للمرارة والبول (عصير الأوراق الطازجة). «ولو سُحقت الجذور تستعمل كلبخة للحروق والكدمات ورائحة القدم». كما أن الأوراق والجذور والبذور تستخدم أيضا لعلاج مرض الربو وأمراض الصدر الأخرى. والفجل بصفة عامة مفيد للحصوات المرارية، وبه مادة «رافانين» (raphanin) المضادة للبكتريا والفطريات والأورام. ويحتوي الفجل أيضا على المضادات الحيوية مثل «جلوكوزيدات» وفيتامين «سي» ورافانين الذي «يقلل من إنتاج هورمون الغدة الدرقية بصورة طبيعية، كما تفعل جميع نباتات العائلة الصليبية مثل البروكلي والقنبيط واللفت. وتضيف الموسوعة بأن منقوع جذور الفجل المبشورة في الليمون المركز لمدة يومين، تستخدم لغسل البشرة والتخلص من البقع أو البثور السوداء والنمش. ويستخدم المنقوع أيضًا مع الفلفل الأسود في زيت الزيتون في تدليك الآم والتهابات المفاصل والعضلات، ويقال إنه فعال جدا لهذه الغاية. كما أن المنقوع يستغل لغسل الشعر وإحياء فروة الرأس والحماية من تساقط الشعر مع تقادم العمر. وبشكل عام فإن مياه الجذور والمواد التي تتكون منها مفيدة وصحية جدا وتساعد على تنظيف الكثير من مواقع الجسم وتنشيطه. وفضلا عن احتوائه على كمية لا باس بها من الطاقة، فإن الفجل مفيد أيضًا في علاج بعض أمراض السرطان وأمراض الطحال والإمساك وتفتيت حصا الكلى وعلاج بعض مشكلات الأمعاء الدقيقة.
وصفة سلطة الفجل البلدية
* المكونات:
* - بصلة خضراء كبيرة.
- بصلة حمراء صغيرة.
- ملعقتا طعام كبيرتان من النعناع.
- ملعقتا طعام كبيرتان من البقدونس.
- 4 حبات بندورة صغيرة حمراء وطازجة.
- ½ حص من الثوم الطازج.
- حبة حامض كبيرة.
- ½ ملعقة شاي من الملح.
- ½ كوب من زيت الزيتون.
- 5 حبات فجل حمراء صغيرة أو متوسطة الحجم.
* طريقة التحضير:
* يتم أولا طحن الملح مع الثوم وإضافة عصير حبة الحامض. وتقطع بقايا الحامض ناعما لتضاف إلى خليط الخضار. وبعدها يتم فرم وتقطيع البقدونس والنعناع والبصل والبندورة والفجل بأوراقه بعد غسله جيدا وخلط الكل مع الحامض والملح والثوم وزيت الزيتون جيدا قبل التقديم. البعض يضيف إلى الخليط بعض الماء البارد.