‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ الزعفران - History of Saffron. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ الزعفران - History of Saffron. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 12 سبتمبر 2019

تاريخ الزعفران - History of Saffron


تحتاج 150 الف زهرة لتحصيل الكيلو الواحد 
الزعفران ........ اغلى نباتات العالم واجملها .
وضعه اسكندر المقدوني في حمامه واستخدمه مع الأرز ولتنشيط وضعه الجنسي

blooming purple petaled flower



لندن – كمال قدورة
الزعفران من النباتات الجميلة والرقيقة والتي تكن لها الشعوب مكانة خاصة في قاموسها المطبخي والطبي والجمالي منذ قديم الزمان . والنبتة نفسها من اجمل النباتات البصلية التي لا تنمو باكثر من 40 سنتمترا . وعادة ما تكون اوراقها دقيقة ونحيفة ومطرزة بالابيض وازهارها ليلكية وزهرية احيانا ذات المياسم الخمرية البنية الحمراء الداكنة والمتميزة مع بعض الإصفرار احيانا . وهناك منه انواع كثيرة لا تستغل لغايات الاكل ، تستخدم لصناعة باقات الورد التي يتبادلها العشاق في بداية فصل الربيع من كل عام . وعلى صغر النبتة وروعتها جماليا ، اصبحت مع الايام من اغلى النباتات في العالم . علميا يقال ان الزعفران (Saffron  ) من النباتات البصلية من الفصيلة السوسنية ، ويطلق على النوع  المستخدم نباتيا وعلميا اسم" " (Crocus sativus)، ويعود اصل الاسم الإنكليزي الى اللاتينية "" سفرانوم" (safranum) التي اخذته عن الفرنسية القديمة في القرن الثاني عشر وخصوصا كلمة "سفران "( safran). والاسم الإيطالي " زفارانو " (zafferano) ايضا تدرج من الفرنسية القديمة كما هو حال الاسم الاسباني " ازافران "(azafrán) . والاصل الفرنسي يعود بالطبع الى اللغة الفارسية "زفاران " (za'ferân) الذي جاء من العربية "زعفران " (za'farān) على الارجح ، ومن كلمة "اصفر" (afar)  بالتحديد .   تاريخيا تشير المعلومات المتوفرة ، ان زراعة الزعفران حول العالم بدأت قبل 3 الآف سنة وكان يستخدم للزراعة النوع المعروف ب"كروكوس كارترايتيانوس"( Crocus cartwrightianus) خصوصا في العصر البرونزي، وقد عمل الفلاحون عبر العصور على تأصيل الانواع الطويلة المياسم منه. وتعود اول المدونات المكتوبة التي تذكر الزعفران الى القرن السابع قبل الميلاد كما تؤكد الموسوعة الحرة. وتعود هذه المدونات الى العراق القديم وايام الآشوريين والسومريين وبالتحديد الملك آشور بانبال. الا ان الحفريات الاخيرة اشارت ايضا الى ان الناس استخدموا الزعفران قبل 4 الآف سنة لمعالجة 90 مرضا كما يبدو . وعثر علماء الآثار ايضا على اثار لصبغيات الزعفران في العراق يعود تاريخها الى 50 الف سنة . كما بدأت عملية الإتجار به ايضا الى ما قبل الحضارة المانوية . كما اهتم به الفرس واهل ايران منذ القرن العاشر قبل الميلاد زراعة وتأصيلا واستخداما، وخصوصا في مناطق اصفهان وديربينا وخوراسان. وكان الايرانيون يستخدمون مياسم الزعفران في حياكة بعض الالبسة الخاصة بالعائلة المالكة والاغنياء . وفضلا عن استخدام الايرانيون له في الطبابة والتلوين والعطور والتطهير والغسيل، فقد دأبوا على نثره على الاسرة وغليه في الشاي لابعاد الإكتئاب وحالات الحزن. وقد اخذ اسكندر المقدوني بعد مروره على ايران قديما معظم العادات والتقاليد الإيرانية في استخدام الزعفران ، فوضعه في حمامه واستخدمه مع الأرز ولتنشيط وضعه الجنسي الخ . ومن هناك ورثت اليونان الزعفران من ايران كنبتة وكتقاليد.  كما جاء الزعفران الكشميري الشهير من ايران كما يبدو من الوثائق قبل الف او الفين وخمسمئة سنة . وبالذات خلال التواجد الفارسي في كشمير . وبعد ذلك بدأ الفينيقيون بترويج الزعفران الكشميري والإتجار به كمادة للتلوين وطرد الإكئاب . ومن ذلك الحين انتشر الزعفران في الكثير من مناطق العالم واستخدم للكثير من الغايات كما سبق وذكرنا. ومن هذه المناطق بالطبع الهند والصين . فقد احب الرهبان البوذيون الزعفران واصبح جزءا من تقاليدهم . ورغم ان الوثائق الصينية القديمة الخاصة بالاعشاب مثل " Shennong Bencaojing" والتي ذكرت الزعفران ، فإن المؤرخون يعتقدون ان الزعفران جاء الى الصين قبل ذلك بكثير وربما مع المغول الذين جلبوه من ايران. وفي اليونان القديم ، عرفه الاغريق ايام الحضارة المانوية التي عزت الزعفران واعطته مكانة عالية في مراتب النبات في القرن السادس عشر قبل الميلاد. وجاء الزعفران في الخرافات الاغريقية ، وتقول بعضها ان الناس كانوا يبحرون الى صقلية خصيصا لجلب الزعفران . ويقال ان الزعفران استخدم في غزة ومصر وجزيرة رودس قديما لغايات التعطير والتجميل والتطبيب . وعوضا عن الإستخدام الفرعوني المكثف له ، واستخدام كيلوبترا له في حمامها ، ولمعالجة الكثير من الامراض، استخدمه الفينيقيون في لبنان وفلسطين والمناطق المجاورة وفي مدينتي صيدا وصور في لبنان بالتحديد للصباغة . ولم ينسى الرومان الزعفران ايضا حيث استخدموه لتضميد الجراح وعلاج السعال، واخذ الرومان معهم الزعفران الى ما كان يعرف بغول ( فرنسا وبعض بلجيكا والمانيا وسويسرا ) حيث استغلوه افضل استغلال حتى سقوط روما . وتشير بعض المعلومات ان الفرنسيين ايضا اخذوا الزعفران عن طريق الاندلس ، وان المسلمين ساهموا في نشر الزعفران في كل من ايطاليا وفرنسا واسبانيا .   وكان الزعفران من المواد الهامة التي تاجرت بها امبراطوريات المتوسط منذ بداية تاريخها ، وسبب هذا العشب الطيب حربا طاحنة لاكثر من ثلاثة اشهر ونصف بين جمهوريات المدن الأيطاليا السايقة كجنوا وبيزا والبندقية . وبعد تعذر الحصول عليه عبر اليونان وايطاليا بدأت زراعته تنتشر في سويسرا والمانيا، حيث كانت عقوبة الغش به السجن والأعدام . من هناك انتشر الى انكلترا واهتمت به منطقتي سوفيك ونوفيك الشرقيتين. واختصت احدى البلدات الإنكليزية بالزعفران في القرنين السادس والسابع عشر بالعناية بالزعفران وانتاج الادوية والاصبغة منه لدرجة ان حملت اسمه وصار يطلق عليها "سفرون وولدن " (Saffron Walden) . ويبدو ان الكنيسة الاوروبية نقلت الزعفران من اوروبا الى اميركا ، حيث انتشر اول ما انتشر في بنسلفانيا، ومن ثم الى الكاريبي والمستعمرات الاسبانية . ويقال ان لشدة الطلب على الزعفران كان يعتبر تجاريا بقيمة الذهب في ولاية فيلادلفيا . وذكر ابن سينا الزعفران في كتاب القانون في الطب قائلا: " زهره يشبه زهرة الياسمين منه أصفر و منه ما يميل إلى البياض جيده الطري الحسن اللون الذكي الرائحة على شغره قليل بياض غير كثير ممتلئ غير صحيح غير سريع للصبغ غير ملزج و لا مفتت قابض محلل قال جالينوس حرارته أقوى من قبضه و دهنه مسخن يجسن اللون شربه محلل للأورام و يطلى به الحمرة مصدع يضر الرأس و هو منوم للحواس إذا سقي في الشراب ينفع من الورم الحار في الأذن يجلو البصر و ينفع من الغشاوة يكتحل به للزرقة المكتسبة في الأمراض مقوي للقلب " . اما ابن البيطار فقد نصح باستخدام الزعفران مع البيض لعلاج البواسير ورطوبات العين وتقوية وتحسين لون البشرة. ويبدو ان الزعفران ليس مفيدا فقط للقلب ولمحاربة السرطان، بل لبؤبؤ العين ونمو اغشيتها، ومنشط للأعصاب وادرار الطمث عند المرأة وتخفيض ضغط الدم وعسر الهضم .      
            

      
رغم ان رائحة الزعفران قريبة الى طعم العسل المعدني كما يصفها بعض الذواقة مع قليل من رائحة القش او العشب الخفيف المرارة بشكل عام ، فإن الناس دأبوا ومنذ زمن طويل على استخدام الزعفران لتلوين الطعام باللون الاصفر البرتقالي الجميل ، مثل اليخنات والمشروبات والارز وغيره من الحلويات وبعض الانواع الاخرى كما هو الحال مع الكركم ( العقدة الصفراء- turmeric ). ولهذا السبب احيانا يستخدم الناس العصفر (Safflower) احيانا بدلا منه لتلوين الاطعمة . ويعرف العصفر على انه زعفران برتغالي ويطلق اسم "عصافروه" (assafroa) وعلى الارجح "عصفورة ". وقد استخدمه الفراعنة في صباغ الاقمشة والملابس الملوكية الحريرية كما تبين من قبر توت عنخ آمون. ويعود ذلك في الاصل الى مادتي الكروسين والكوستين المسؤولتان عن التلوين . ومع هذا فإن الكثير من الناس يجدون رائحة الزعفران رائحة عطرية قوية ومنعشة ، وطعمه مميز لا يجد مثيلا له بين الاعشاب والنباتات . 
لكن كالكثير من الاعشاب والنباتات الهامة احب الناس الزعرفان واستخدموه لاسباب طبية وعلاجية عبر التاريخ وخصوصا في المناطق التي يستخدم فيها بكثرة وهي بالدرجة الاولى ايران ومعظم الدول العربية وبعض دول آسيا الوسطى والهند وتركيا واوروبا . فالزعفران قادر على قمع السرطان في بداياته ويمنع تكاثر بعض الخلايا، وحماية العين . ويزرع  الزعفران الذي لا يزال يستخدم منذ قديم ازمان ايضا في الصين والهند لإنتاج العطور وصباغ الاقمشة ، في منطقة البحر المتوسط حتى جبال كشمير شرقا. وحسب الارقام الاخيرة المتوفرة فإن  العلم ينتج سنويا ثلاثمئة طن فقط لا غير . ومعظمها يأتي من ايران واسبانيا والهند واليونان والمغرب واذربيجان وايطاليا بالطبع التي تعطيه اهمية خاصة منذ ايام الرومان . ولهذا يعتبر الزعفران من اغلى النباتات واندرها في العالم. والسبب في ذلك ان ما يستخدم من الزعفران هو الميسم او ما يمكن وصفه بورقات الزهرة الرقيقة التي تستخدم في تلقيح النبتة ، وتعتبر عمليات قلعها وجمعها عملية دقيقة قبل تجفيفها ببطيء (رغم انها تجف بسرعة بعد القطاف) . ويحتاج الفرد بين 110 الآف الى 170 الف زهرة لتحصيل كيلو واحد من الزعفران . و يحتاج ذلك ايضا الى اربعين ساعة من العمل المتواصل.  ولهذا لا يقل سعر الكيلو في الاسواق عن 1500 دولار . ويفضل عادة ان يكون رطبا نسبيا وذا لون داكن .
وتعرف من انواعه الكثيرة النوع الاسباني المعروف ب" كريم "(Creme) او الزبدة وهو من الانواع اللطيفة وغير القوية على صعد اللون والطعم  والرائحة . ورغم ان النوع الإيطالي اقوى نسبيا منه ، فإن اهم واقوى الانواع على الاطلاق هي الإيرانية . ولان هناك دائما نقاش حول مراتبه وانواعه ووما هو الفاخر منه وما هو التجاري، منعت الهند منذ فترة طويلة تصدير الانواع الممتازة والفاخرة الى الخارج ، ولا يعثر الفرد في الاسواق التجارية العادية الى على الانواع البريطانية والهولندية والسويسرية والاميركية والنيوزيلاندية. ومن انواع الفاخرة المعروفة في اوروبا واميركا نوع " اكيلا "( Aquila) الغني بمادة الكروسين . ولا يزرع هذا النوع الى منطقة صغيرة لا تتعدى مساحتها الثماني هكتارات في وادي نافيلي في اقليم ابروزو في ايطاليا التي يطلق على عاصمته اسم "لا اكولا ". وتشير المعلومات التاريخية ان احد الرهبان الدومينيكان الهاربين من محاكم التفتيش الاسبانية في القرون الوسطى . ومع هذا فإن زراعة الزعفران في ايطاليا على نطاق واسع تتم في جزيرة سردينيا التي تسخر له ما لا يقل عن ستين هكتارا . وتنتج سردينيا او منطقة سان غافينو مونريال عادة 60 في المائة من الزعفران الإيطالي. ومن الانواع الفاخرة والقوية ايضا النوع الكشميري المعروف باسم "مونغرا "(Mongra)، وهو من ادكن انواع الزعفران لونا مع طيف ليلكي ما يدل على قوته وطيب طعمه. ويصعب جدا الحصول على هذا النوع بسبب غلاء سعره وتحريم الهند تصديره والاهم من ذلك صعوبة تحصيله على الدوام في ظل التغيرات البيئية والجوية في كشمير وعلى راسها الجفاف.