لندن: كمال قدورة
القرفة من التوابل المهمة جدا، التي التصق باسمها الكثير من الخرافات والحكايات، وحيكت من أجلها المؤامرات وشنت الحروب. وقد رافق تاريخها الكثير من الألغاز والأسرار أيضا، وارتبطت دائما بحياة الملوك والأغنياء منذ قديم الزمان. فقد أحبها الناس لرائحتها الطيبة والعبقة وفوائدها الجنسية المهمة، وعملوا على استخدامها كبقية المواد الغالية الثمن كنوع من أنواع العملة.
وقد درج الناس على استخدام القرفة ذات اللون البرتقالي الترابي الداكن، لتطييب المأكولات، فاستخدموها في المشروبات الساخنة وصناعة الحلويات والمعجنات لمنحها طعما مميزا، بالإضافة إلى استخدامها في صناعة العلكة لما تمنحه من نفس طيب. والأهم من هذا استخدامها في الكثير من أطباق اللحم وأطباق الكاري وغيره من الأطباق المشرقية التي لا بد من إضافة بعض من هذه المادة القوية والمرغوبة.
ولطالما استخدمت القرفة أيضا كتوابل للخضراوات والفاكهة، وتقول الموسوعة الحرة في هذا الصدد إن «زيت القرفة الأساسي هو العامل الرئيسي في مفعولها المقوي والمنشط للدورة الدموية والتنفس، والمدر للإفرازات والقابض للأوعية والمحرك للأمعاء، والمعقم المضاد للتعفن، ولهذا نرى القرفة تدخل في تركيب الكثير من الأدوية والمستحضرات الصيدلانية، وتعتبر القرفة الصينية أكثر غنى بالزيت العطري من أنواع القرفة الأخرى».
موطن القرفة الأصلي الذي يطلق عليه اسم «سيناموموم زيلانسيوم «(Cinnamomum zeylanicum) هو سريلانكا (سيلان سابقا)، ويعود تاريخ استخدامها إلى قرون طويلة، وقد جاء في كتابات أهل الصين وعلمائها ومؤرخيها في عام 2400 قبل الميلاد، ولا يزال الصينيون حتى الآن يلقون عليه اسم «كواي» (kwai)، لكن اسمه الطبيعي والنباتي يتدرج كما يقال من اللغتين العربية والعبرية أو بالتحديد اسم «امومون»( amomon)، الذي يفترض أن يعني «نبتة البهارات العبقة الرائحة». وحسب تلك الكتابات فقد استخدم الصينيون القرفة للغايات الطبية، وخصوصا علاج النزلة البردية والجهاز الهضمي. وكبقية الشعوب القديمة التي كانت تحترم القرفة وتعتبرها مواد مهمة جدا، استخدمها المصريون القدماء والفراعنة بالتحديد، في عمليات تحضير المومياء، لما لها من مواصفات مهمة في الحفظ ولرائحتها الطيبة بالطبع.
ونقول هنا القرفة الأصلية لأن هناك نوعين من القرفة الأصلية أو الحقيقية التي ذكرناها، والنوع الآخر الذي يطلق عليه اسم «كاسيا» (cassia). فمعظم القرفة المطحونة التي نستخدمها هذه الأيام من نوع كاسيا مع جزء بسيط من القرفة الأصلية، وهذا تقليد متبع في الكثير من الدول حتى في الولايات المتحدة الأميركية.
وتعتبر بورما موطن كاسيا الأصلي، التي يطلق عليها نباتيا وعلميا اسم «سيناموموم كاسيا «(Cinnamomum cassia أو Cinnamomum aromaticum). وعلميا الشجرتان من نفس الفصيلة أو العائلة النباتية، لكن طعمها أقوى ويكفي كمية صغيرة منها للحصول على التأثير المطلوب. ويفضل استخدام قرفة الكاسيا عادة في المآكل والقرفة الأصلية في صناعة الحلوى.
وتستخدم براعم قرفة الكاسيا المجففة التي تشبه ثمرة القرنفل في الدول الآسيوية في المخللات وشتى أنواع طبق الكاري وأطباق اللحوم الحارة والحلويات. وأحيانا ما تباع زهور الكاسيا الصفراء الصغيرة التي تتمتع بنكهة قرفة خفيفة، محفوظة في مياه الحفظ المحلاة لتعطير تطعيم الحلويات والفاكهة والشاي.
وجاء ذكر القرفة في كتابات المؤرخ المعروف بليني الأكبر في القرن الأول، حيث يذكر في أحد كتبه أن 350 غراما من القرفة كانت تساوي آنذاك 5 كيلوغرامات من الفضة.
ويقال إن الإمبراطور الروماني نيرو، وكدلالة على حزنه، طلب حرق مخزون سنة من القرفة بعد قتله لزوجته بوبييا سابينا، كما درج الرومان أيضا على استخدام رائحته خلال الجنازات، كما يستغل البخور على شتى أنواعه، ولطالما أطلقوا عليها اسم «كانيلا» (canella)، الذي يعني «أنبوب صغيرا»، نسبة إلى شكل العيدان.
وللقرفة مكان خاصة عند اليهود، وقد جاء ذكره في الكثير من الكتب الخاصة بالديانة اليهودية، ويقال إن النبي موسى كان يبارك استخدام القرفة على أنواعها، وخصوصا في الزيوت المقدسة والمخصصة للاحتفالات والطقوس الدينية، وجاء ذكرها في الأمثال، وسفر نشيد الإنشاد أحد أسفار العهد القديم في إحدى الأغاني، حيث يتم وصف جمال الحبيبة برائحة القرفة، وملابسها برائحة لبنان.
ولطالما كان مصدر القرفة لغزا محيرا للمهتمين والمعجبين بها، ولطالما ولنفس السبب ارتبط اسمه بالعرب الذين كانوا من أهم تجار التوابل وانتشارها في العالم القديم. ويقال إنهم أول من جاء بها إلى الغرب، وقد حاكوا حولها الكثير من الخرافات والقصص خافين عن العالم أماكن زراعتها واستغلالها لغايات تجارية احتكارية. وكان العرب يأتون بها من المناطق الجنوبية الغربية في الهند وبالتحديد من سريلانكا وبورما وبنغلاديش وشواطئ مالابار الهندية. وكان مرفأ مالابار منذ 3 آلاف سنة مركزا مهما للتبادل التجاري مع كل من العراق ومصر واليونان وروما والقدس والتجار العرب، وقد نشط أيام سيطرة الشركات الهولندية عليه لاحقا.
ولهذا لا تزال بلدات ومدن الشاطئ الجنوبي الغربي للهند موطنا للكثير من المرافئ التجارية، وخصوصا في كاليكود وكانور وغيرهما، ولهذا استقبلت أول موجات الوافدين السوريين والمسلمين واليهود والمسيحيين من المشرق العربي إلى الهند ولهذا لا تزال هذه المدن والبلدات مخلوطة نسبيا من الناحية العرقية.
ولإعطاء مثل عن لغز مصدر القرفة المكبوت من قبل العرب، يقول المؤرخ الفرنسي جوان دي جانيفيل، الذي اشترك في الحروب الصليبية، وخصوصا حملة الملك لويس التاسع السابعة على مصر في عام 1248، إن البعض قد أخبره بأن الناس كانوا يحصلون على القرفة، ويصطادونها بالشباك في منبع نهر النيل عند نهاية العام.
وكان زكريا القزويني أول من ذكر في كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد» أن مصدر القرفة هو سريلانكا في نهاية عام 1270.
وبينما كان الأطباء في العصور الوسطى يستخدمون القرفة لعلاج الكحة والحنجرة، ظل الاعتقاد خلال تلك الفترة، وخصوصا من قبل هيرودوت، أن مصدر القرفة هو الجزيرة العربية. ويقول هيرودوت، بهذا الشأن، إن شبه الجزيرة العربية كانت المنطقة الوحيدة التي تنتج القرفة في العالم، وإن الفضل في ذلك يعود إلى طير القرفة الضخم (طائر الفينيق)، الذي كان يعيش فيها، والذي كان يأتي بعيدان القرفة من أماكن غير معروفة من العالم لبناء عشه. وكان يتم استدراج الطيور عبر إطعامها قطع اللحم الكبيرة، وعندما يتم إيصالها إلى الأعشاش كانت القطع تثقل الأعشاش فتنقلب وتقع على الأرض مما يسمح للتجار بجمع عيدان القرفة، حسب الخرافة القديمة. لكن المؤرخ بليني الأكبر يقول إن هذه الخرافة كانت مقصودة، وكان التجار يستخدمونها لزيادة ورفع الأسعار دائما. وظل هذا الاعتقاد سائدا أيام البيزنطيين في بداية القرن الرابع عشر.
وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار إنه قبل تأسيس القاهرة كان مرفأ الإسكندرية المرفأ الرئيسي الذي يستقبل القرفة ويصدرها على شواطئ المتوسط، وقد ذُكر عن أبي المؤرخين هيرودوت أنه قال في أحد كتبه في القرن الخامس قبل الميلاد إن القرفة كانت تأتي عبر البحر الأحمر إلى مصر، وكان يعتقد أنها كانت تأتي من الحبشة وأماكن أخرى غير مؤكدة.
ومن الإسكندرية كانت القرفة تصل إلى إيطاليا وروما والبندقية، حيث احتكر العرب حركتها وأسعارها في القارة الأوروبية. ولم يحاول الأوروبيون أنفسهم إيجاد القرفة والبحث عنها، قبل مجيء سلاطين المماليك، الذين أعاقوا حركة القرفة التجارية وعطلوها أحيانا. وفي تلك الفترة كثر استخدام القرفة من قبل أهل البندقية والأغنياء بشكل عام، لحفظ اللحم وإخفاء رائحته السيئة أحيانا.
ولهذا اتجه الأوروبيون إلى آسيا بحثا عنها وعن مصادرها، أيام الاكتشافات، وقد تمكن البرتغاليون من تأسيس مركز للإنتاج في سريلانكا منذ بداية القرن السادس عشر حتى بداية القرن السابع عشر. وتمكن الهولنديون لاحقا من وراثة البرتغاليين في هذا الإطار، وتحسين وسائل استغلال القرفة وإنتاجها، مع وجود شركة الهند الشرقية التي كانت تزرع أشجارها الخاصة بها.
وفي نهاية القرن الثامن عشر، أسس اللورد براون من الشركة ما يعرف بولاية انجاراكاندي الخاصة بالقرفة قرب البلدة التي تحمل نفس الاسم في ولاية كارالا في الهند (تعرف بكانور)، لتصبح أهم وأكبر ولاية آسيوية في إنتاج القرفة. وبعد سيطرة البريطانيين على المناطق التي كان يسيطر عليها الهولنديون، وخصوصا سريلانكا، انتشرت زراعة القرفة في الكثير من المناطق، وبدأت مواد أخرى كالقهوة والسكر والشاي والشوكولاته تحتل المرتبة الأولى في اهتمام الناس وما يفضلونه.
مهما يكن، فإن الكثير من المناطق تهتم بزراعة القرفة هذه الأيام ومنها الأماكن التقليدية في سريلانكا والهند وبنغلاديش وجزر جافا وسومطرة الإندونيسية وفيتنام ومنطقة الكاريبي، أو ما يعرف بالـ«وست انديز»، والبرازيل ومدغشقر وزنجبار التنزانية ومصر وغيرها.
اسم القرفة أو ما يسمى أحيانا بالدار صينية (الدارسين بالعامية)، على الحقيقة أو «دار صيني الصين» أو القرفة السيلانية، يأتي من التاميلية «كاروفا»، وهي نوع من أنواع النبات الذي يطلق عليه علميا اسم «سينيموموم زيلانيكوم جيه بريل» أو «سينيموموم فيروم» Cinnamomum verum أو «سينيموموم زيلانيكوم نيس» Cinnamomum zeilanicum Nees، الذي يعتبر أجود أنواع الدار صيني. والنبتة أو الشجرة من فصيلة السمروبيات، وهي شجرة استوائية دائمة الخضرة يمكن أن يصل ارتفاعها من عشرة أمتار إلى أربعين مترا، وتحمل أزهارا صفراء صغيرة، وثمرة صغيرة تشبه القرنفل. وعلى أي حال، فإن عيدان القرفة التي نستخدمها هي من اللحاء الداخلي لجذع الشجرة.
لكن كما ذكرنا سابقا، فإن اسم القرفة الطبيعي والنباتي يتدرج كما يقال من اللغتين العربية والعبرية أو بالتحديد اسم «امومون» (amomon)، الذي يفترض أن يعني «نبتة البهارات العبقة الرائحة». أما اسم «سينامون» المعروف بالإنجليزية، فإنه يتدرج من العبرية والفينيقية «كينامومون»، التي تنحدر نفسها من اللغة المالاوية «كايو مانيس» (kayu manis) التي تعني «الخشب الحلو».
وفي ولاية كارالا في الهند حيث تستغل القرفة على نطاق واسع يطلق عليها اسم «كاروفاباتا» (karuvapatta) وفي اللغة الهندية «دالشيني» (dalchini) وفي إندونيسيا وخصوصا جافا وسومطرة «كايو مانيس» (kayu manis) أما في سريلانكا فيطلق عليها اسم «كوروندو»، والأهم من ذلك أن اسم «سينيمون» (cinnamon) المعروف بالإنجليزية واللغات الأوروبية، يأتي من اسم «كونيلا» (cannella) اللاتينية بالطبع. مهما كانت أصول اسم القرفة، فإنها معروفة في جميع أنحاء المعمورة، ولا تزال تستخدم على نطاق واسع لتحضير أجمل وأطيب الأطباق، سواء أكانت حلوة أم حارة، كما هو الحال في الهند والعالم العربي. ولا تزال فطائر التفاح المطبوخة بالفرن مع القرفة جزءا لا يتجزأ من مأكل العالم الحديث، كالكثير من أنواع الحلوى
القرفة من التوابل المهمة جدا، التي التصق باسمها الكثير من الخرافات والحكايات، وحيكت من أجلها المؤامرات وشنت الحروب. وقد رافق تاريخها الكثير من الألغاز والأسرار أيضا، وارتبطت دائما بحياة الملوك والأغنياء منذ قديم الزمان. فقد أحبها الناس لرائحتها الطيبة والعبقة وفوائدها الجنسية المهمة، وعملوا على استخدامها كبقية المواد الغالية الثمن كنوع من أنواع العملة.
وقد درج الناس على استخدام القرفة ذات اللون البرتقالي الترابي الداكن، لتطييب المأكولات، فاستخدموها في المشروبات الساخنة وصناعة الحلويات والمعجنات لمنحها طعما مميزا، بالإضافة إلى استخدامها في صناعة العلكة لما تمنحه من نفس طيب. والأهم من هذا استخدامها في الكثير من أطباق اللحم وأطباق الكاري وغيره من الأطباق المشرقية التي لا بد من إضافة بعض من هذه المادة القوية والمرغوبة.
ولطالما استخدمت القرفة أيضا كتوابل للخضراوات والفاكهة، وتقول الموسوعة الحرة في هذا الصدد إن «زيت القرفة الأساسي هو العامل الرئيسي في مفعولها المقوي والمنشط للدورة الدموية والتنفس، والمدر للإفرازات والقابض للأوعية والمحرك للأمعاء، والمعقم المضاد للتعفن، ولهذا نرى القرفة تدخل في تركيب الكثير من الأدوية والمستحضرات الصيدلانية، وتعتبر القرفة الصينية أكثر غنى بالزيت العطري من أنواع القرفة الأخرى».
موطن القرفة الأصلي الذي يطلق عليه اسم «سيناموموم زيلانسيوم «(Cinnamomum zeylanicum) هو سريلانكا (سيلان سابقا)، ويعود تاريخ استخدامها إلى قرون طويلة، وقد جاء في كتابات أهل الصين وعلمائها ومؤرخيها في عام 2400 قبل الميلاد، ولا يزال الصينيون حتى الآن يلقون عليه اسم «كواي» (kwai)، لكن اسمه الطبيعي والنباتي يتدرج كما يقال من اللغتين العربية والعبرية أو بالتحديد اسم «امومون»( amomon)، الذي يفترض أن يعني «نبتة البهارات العبقة الرائحة». وحسب تلك الكتابات فقد استخدم الصينيون القرفة للغايات الطبية، وخصوصا علاج النزلة البردية والجهاز الهضمي. وكبقية الشعوب القديمة التي كانت تحترم القرفة وتعتبرها مواد مهمة جدا، استخدمها المصريون القدماء والفراعنة بالتحديد، في عمليات تحضير المومياء، لما لها من مواصفات مهمة في الحفظ ولرائحتها الطيبة بالطبع.
ونقول هنا القرفة الأصلية لأن هناك نوعين من القرفة الأصلية أو الحقيقية التي ذكرناها، والنوع الآخر الذي يطلق عليه اسم «كاسيا» (cassia). فمعظم القرفة المطحونة التي نستخدمها هذه الأيام من نوع كاسيا مع جزء بسيط من القرفة الأصلية، وهذا تقليد متبع في الكثير من الدول حتى في الولايات المتحدة الأميركية.
وتعتبر بورما موطن كاسيا الأصلي، التي يطلق عليها نباتيا وعلميا اسم «سيناموموم كاسيا «(Cinnamomum cassia أو Cinnamomum aromaticum). وعلميا الشجرتان من نفس الفصيلة أو العائلة النباتية، لكن طعمها أقوى ويكفي كمية صغيرة منها للحصول على التأثير المطلوب. ويفضل استخدام قرفة الكاسيا عادة في المآكل والقرفة الأصلية في صناعة الحلوى.
وتستخدم براعم قرفة الكاسيا المجففة التي تشبه ثمرة القرنفل في الدول الآسيوية في المخللات وشتى أنواع طبق الكاري وأطباق اللحوم الحارة والحلويات. وأحيانا ما تباع زهور الكاسيا الصفراء الصغيرة التي تتمتع بنكهة قرفة خفيفة، محفوظة في مياه الحفظ المحلاة لتعطير تطعيم الحلويات والفاكهة والشاي.
وجاء ذكر القرفة في كتابات المؤرخ المعروف بليني الأكبر في القرن الأول، حيث يذكر في أحد كتبه أن 350 غراما من القرفة كانت تساوي آنذاك 5 كيلوغرامات من الفضة.
ويقال إن الإمبراطور الروماني نيرو، وكدلالة على حزنه، طلب حرق مخزون سنة من القرفة بعد قتله لزوجته بوبييا سابينا، كما درج الرومان أيضا على استخدام رائحته خلال الجنازات، كما يستغل البخور على شتى أنواعه، ولطالما أطلقوا عليها اسم «كانيلا» (canella)، الذي يعني «أنبوب صغيرا»، نسبة إلى شكل العيدان.
وللقرفة مكان خاصة عند اليهود، وقد جاء ذكره في الكثير من الكتب الخاصة بالديانة اليهودية، ويقال إن النبي موسى كان يبارك استخدام القرفة على أنواعها، وخصوصا في الزيوت المقدسة والمخصصة للاحتفالات والطقوس الدينية، وجاء ذكرها في الأمثال، وسفر نشيد الإنشاد أحد أسفار العهد القديم في إحدى الأغاني، حيث يتم وصف جمال الحبيبة برائحة القرفة، وملابسها برائحة لبنان.
ولطالما كان مصدر القرفة لغزا محيرا للمهتمين والمعجبين بها، ولطالما ولنفس السبب ارتبط اسمه بالعرب الذين كانوا من أهم تجار التوابل وانتشارها في العالم القديم. ويقال إنهم أول من جاء بها إلى الغرب، وقد حاكوا حولها الكثير من الخرافات والقصص خافين عن العالم أماكن زراعتها واستغلالها لغايات تجارية احتكارية. وكان العرب يأتون بها من المناطق الجنوبية الغربية في الهند وبالتحديد من سريلانكا وبورما وبنغلاديش وشواطئ مالابار الهندية. وكان مرفأ مالابار منذ 3 آلاف سنة مركزا مهما للتبادل التجاري مع كل من العراق ومصر واليونان وروما والقدس والتجار العرب، وقد نشط أيام سيطرة الشركات الهولندية عليه لاحقا.
ولهذا لا تزال بلدات ومدن الشاطئ الجنوبي الغربي للهند موطنا للكثير من المرافئ التجارية، وخصوصا في كاليكود وكانور وغيرهما، ولهذا استقبلت أول موجات الوافدين السوريين والمسلمين واليهود والمسيحيين من المشرق العربي إلى الهند ولهذا لا تزال هذه المدن والبلدات مخلوطة نسبيا من الناحية العرقية.
ولإعطاء مثل عن لغز مصدر القرفة المكبوت من قبل العرب، يقول المؤرخ الفرنسي جوان دي جانيفيل، الذي اشترك في الحروب الصليبية، وخصوصا حملة الملك لويس التاسع السابعة على مصر في عام 1248، إن البعض قد أخبره بأن الناس كانوا يحصلون على القرفة، ويصطادونها بالشباك في منبع نهر النيل عند نهاية العام.
وكان زكريا القزويني أول من ذكر في كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد» أن مصدر القرفة هو سريلانكا في نهاية عام 1270.
وبينما كان الأطباء في العصور الوسطى يستخدمون القرفة لعلاج الكحة والحنجرة، ظل الاعتقاد خلال تلك الفترة، وخصوصا من قبل هيرودوت، أن مصدر القرفة هو الجزيرة العربية. ويقول هيرودوت، بهذا الشأن، إن شبه الجزيرة العربية كانت المنطقة الوحيدة التي تنتج القرفة في العالم، وإن الفضل في ذلك يعود إلى طير القرفة الضخم (طائر الفينيق)، الذي كان يعيش فيها، والذي كان يأتي بعيدان القرفة من أماكن غير معروفة من العالم لبناء عشه. وكان يتم استدراج الطيور عبر إطعامها قطع اللحم الكبيرة، وعندما يتم إيصالها إلى الأعشاش كانت القطع تثقل الأعشاش فتنقلب وتقع على الأرض مما يسمح للتجار بجمع عيدان القرفة، حسب الخرافة القديمة. لكن المؤرخ بليني الأكبر يقول إن هذه الخرافة كانت مقصودة، وكان التجار يستخدمونها لزيادة ورفع الأسعار دائما. وظل هذا الاعتقاد سائدا أيام البيزنطيين في بداية القرن الرابع عشر.
وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار إنه قبل تأسيس القاهرة كان مرفأ الإسكندرية المرفأ الرئيسي الذي يستقبل القرفة ويصدرها على شواطئ المتوسط، وقد ذُكر عن أبي المؤرخين هيرودوت أنه قال في أحد كتبه في القرن الخامس قبل الميلاد إن القرفة كانت تأتي عبر البحر الأحمر إلى مصر، وكان يعتقد أنها كانت تأتي من الحبشة وأماكن أخرى غير مؤكدة.
ومن الإسكندرية كانت القرفة تصل إلى إيطاليا وروما والبندقية، حيث احتكر العرب حركتها وأسعارها في القارة الأوروبية. ولم يحاول الأوروبيون أنفسهم إيجاد القرفة والبحث عنها، قبل مجيء سلاطين المماليك، الذين أعاقوا حركة القرفة التجارية وعطلوها أحيانا. وفي تلك الفترة كثر استخدام القرفة من قبل أهل البندقية والأغنياء بشكل عام، لحفظ اللحم وإخفاء رائحته السيئة أحيانا.
ولهذا اتجه الأوروبيون إلى آسيا بحثا عنها وعن مصادرها، أيام الاكتشافات، وقد تمكن البرتغاليون من تأسيس مركز للإنتاج في سريلانكا منذ بداية القرن السادس عشر حتى بداية القرن السابع عشر. وتمكن الهولنديون لاحقا من وراثة البرتغاليين في هذا الإطار، وتحسين وسائل استغلال القرفة وإنتاجها، مع وجود شركة الهند الشرقية التي كانت تزرع أشجارها الخاصة بها.
وفي نهاية القرن الثامن عشر، أسس اللورد براون من الشركة ما يعرف بولاية انجاراكاندي الخاصة بالقرفة قرب البلدة التي تحمل نفس الاسم في ولاية كارالا في الهند (تعرف بكانور)، لتصبح أهم وأكبر ولاية آسيوية في إنتاج القرفة. وبعد سيطرة البريطانيين على المناطق التي كان يسيطر عليها الهولنديون، وخصوصا سريلانكا، انتشرت زراعة القرفة في الكثير من المناطق، وبدأت مواد أخرى كالقهوة والسكر والشاي والشوكولاته تحتل المرتبة الأولى في اهتمام الناس وما يفضلونه.
مهما يكن، فإن الكثير من المناطق تهتم بزراعة القرفة هذه الأيام ومنها الأماكن التقليدية في سريلانكا والهند وبنغلاديش وجزر جافا وسومطرة الإندونيسية وفيتنام ومنطقة الكاريبي، أو ما يعرف بالـ«وست انديز»، والبرازيل ومدغشقر وزنجبار التنزانية ومصر وغيرها.
اسم القرفة أو ما يسمى أحيانا بالدار صينية (الدارسين بالعامية)، على الحقيقة أو «دار صيني الصين» أو القرفة السيلانية، يأتي من التاميلية «كاروفا»، وهي نوع من أنواع النبات الذي يطلق عليه علميا اسم «سينيموموم زيلانيكوم جيه بريل» أو «سينيموموم فيروم» Cinnamomum verum أو «سينيموموم زيلانيكوم نيس» Cinnamomum zeilanicum Nees، الذي يعتبر أجود أنواع الدار صيني. والنبتة أو الشجرة من فصيلة السمروبيات، وهي شجرة استوائية دائمة الخضرة يمكن أن يصل ارتفاعها من عشرة أمتار إلى أربعين مترا، وتحمل أزهارا صفراء صغيرة، وثمرة صغيرة تشبه القرنفل. وعلى أي حال، فإن عيدان القرفة التي نستخدمها هي من اللحاء الداخلي لجذع الشجرة.
لكن كما ذكرنا سابقا، فإن اسم القرفة الطبيعي والنباتي يتدرج كما يقال من اللغتين العربية والعبرية أو بالتحديد اسم «امومون» (amomon)، الذي يفترض أن يعني «نبتة البهارات العبقة الرائحة». أما اسم «سينامون» المعروف بالإنجليزية، فإنه يتدرج من العبرية والفينيقية «كينامومون»، التي تنحدر نفسها من اللغة المالاوية «كايو مانيس» (kayu manis) التي تعني «الخشب الحلو».
وفي ولاية كارالا في الهند حيث تستغل القرفة على نطاق واسع يطلق عليها اسم «كاروفاباتا» (karuvapatta) وفي اللغة الهندية «دالشيني» (dalchini) وفي إندونيسيا وخصوصا جافا وسومطرة «كايو مانيس» (kayu manis) أما في سريلانكا فيطلق عليها اسم «كوروندو»، والأهم من ذلك أن اسم «سينيمون» (cinnamon) المعروف بالإنجليزية واللغات الأوروبية، يأتي من اسم «كونيلا» (cannella) اللاتينية بالطبع. مهما كانت أصول اسم القرفة، فإنها معروفة في جميع أنحاء المعمورة، ولا تزال تستخدم على نطاق واسع لتحضير أجمل وأطيب الأطباق، سواء أكانت حلوة أم حارة، كما هو الحال في الهند والعالم العربي. ولا تزال فطائر التفاح المطبوخة بالفرن مع القرفة جزءا لا يتجزأ من مأكل العالم الحديث، كالكثير من أنواع الحلوى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق