الحلوم يبحث عن الحماية الاوروبية
قبرص المقسمة تجتمع على الجبنة البيضاء
لندن – كمال قدورة
رغم
ان الجانب التركي يطلق عليها اسم "حليم " والجانب اليوناني يطلق عليها
اسم " حلومي" ، فإن هذه الجبنة المالحة والشهيرة قد نجحت فيما فشلت
السياسة والمفاوضات من تحقيقه في توحيد ابناء الجزيرة القبرصية المقسمة منذ اربعين
سنة . وهذا يثبت القول الشعبي السائد والدارج بأنه " لا يجمع الناس معا اكثر
من الطعام ".
فقد بدات
المفوضية الأوروبية بحثها حول
إضفاء الحماية التجارية على جبن الحلوم الابيض والذي يصنع في قبرص. وذلك بناء على
طلب مشترك كان قد تقدم به الجانبين التركي واليوناني الشهر الماضي لتسجيل اضفاء
الحماية على هذه الجبنة الطيبة والمعروفة
والحصول على صفة الاصالة التي تطلق عادة على المنتجات الاوروبية العالية الجودة
مثلما حصل مع جبنة الفاتا اليونانينة والشمبانيا الفرنسية والبارما هام الايطالية
.
وكان المقترح قد واجه في
البداية تعقيدات قانونية بسبب انقسام الجزيرة بين اليونانيين والأتراك منذ عام
1974 بعد غزو تركيا لشمال الجزيرة. الا ان اتفاق الجانبين على الخطوة قد مهد
الطريق لتحقيق الهدف وربما اهداف اخرى ابعد من الطعام واهم من السياسة والتاريخ . واثبت الاقتراح ايضا ان الجوامع التراثية
والاجتماعية التي تربط بين سكان الجزيرة منذ قرون اقوى من ان تهددها سياسات القسمة
المصطنعة والمرعية من الدول الام .
وفي حال تم اقرار المقترح من
قبل المفوضية الاوروبية، يمنح هذا الطلب او هذا الاقتراح كلا الطرفين في الجزيرة
المقسمة الحق الوحيد في بيع جبن يحمل هذا الاسم (حلومي ) داخل الاتحاد الأوروبي.
وقال جان كلود يونكر رئيس
المفوضية الأوروبية إن المقترح يظهر تصميم المجموعتين اليونانية والتركية في
الجزيرة على العمل معا، و" ان هذه الخطوة تبرهن على التزام كلا الطرفين في
قبرص بالعمل معا في مشروعات توحد الجزيرة كلها". وأضاف ان "الجبن تراث
ربط بين الطائفتين اللتين تعيشان هنا منذ قرون".
ويفترض باي معترض على اضفاء
الحماية على جبن الحلوم ان يقدم اعتراضه إلى المفوضية الأوروبية خلال الأشهر
الثلاثة القادمة.
وكانت الولايات المتحدة
الاميركية قد منحت جبنة الحلوم الحماية كمنتج قبرصي منذ التسعينات ، ورفض الاتحاد
الاوروبي اللحاق بالولايات المتحدة في هذا المضمار لسببين الاول يعود الى الانقسام
السياسي في الجزيرة بين الجانبين التركي واليوناني ، والثاني بسبب الخلاف بين
منتجي الاجبان والالبان واصحاب مزارع الغنم والماعز حول اضافة حليب البقر وحول
نسبة حليب الغنم الى حليب الماعز في انتاج الجبنة .
تاريخيا يعرف القبارصة واهل
بلاد الشام ان جبنة الحلوم نتاج الخلط بين حليب الغنم وحليب الماعز ، لكن الفلاحين
او المنتجين للجبنة في الجزيرة بداوا بإضافة حليب البقر بعد ادخال البريطانين
البقر الى الجزيرة وازديادالطلب على الجبنة ورخص سعر حليب البقر .
وحسب احصاءات مكتب الخدمات القبرصي ، فإن جبنة
الحلومي تاتي في المرتبة الثانية في لائحة اهم صادرات الجزيرة الى العالم الخارجي
، حيث وصلت قيمتها في العام 2013 الى 102 مليون دولار اميركي، اي بزيادة نسبتها 26
في االمائة عن العام السابق . وقد ارتفعت نسبة الكمية المصدرة من جبنة الحلوم بشكل
كبير خلال السنوات العشر الماضية (اكثر من خمس اضعاف) ، واصبحت جزءا لا يتجزا من
مصدر دخل الجزيرة التي تعاني من الركود الاقتصادي منذ سنوات .
وفيما تأتي جبنة الحلوم في
المرتبة الثانية بعد منتجات الصيدلة تأتي البطاطا القبرصية في المرتبة الثالثة
وتأتي الحمضيات في المرتبة السابعة والاسماك في المرتبة الثامنة .
وترجح الموسوعة الحرة على ان
اسم الجبنة حلوم يعود الى اسم "حلوم" العربي الذي اخذه العرب من الاقباط
ي مصر ، حيث كان الاقباط يطلقون على الجبنةبشكل عام اسم "حلوم" . وليس
مستبعدا ان يكون ذلك صحيحا إذ ان الفراعنة كانوا يستخدون ويستهلكون نوعا مشابها من
انواع الجبنة ولا يزال المصريون يستخدمون الاسم لنوع آخر من انواع الجبن ، كما ان
هناك روابط وعلاقات تاريخة بين مصر واليونان منذ قديم الزمان وظلت هذه العلاقات
المتوسطية والثقافية في طبعها حتى ايام الرئيس السابق جمال عبد الناصر.
باية حال فإن اهم مواصفات
جبنة الحلوم التي اتنشرت من قبرص باتجاه بلاد الشام وتركيا منذ ايام البزنطيين في
القرن الرابع للميلاد ، انها تحضر من حليب الماعز وحليب الغنم معا واحيانا مع حليب
البقر، وقد ذاع صيتها وانتشرت على نطاق واسع في جميع انحاء العالم مع تطور القطاع
السياحي وبشكل خاص الدول الاوروبية . ومن السهل على محبي الجبن وانواعه الكثيرة ،
هذه الايام ، العثور عليها الى جانب انواع الجبنة المشهورة مثل جبنة الفتة
اليونانية وجبنة البارمزان الايطالية والغريير السويسرية، في جميع المركز التجارية
من روسيا الى كاليفورنيا .
وقد درج الفلاحون منذ قديم
الزمان لى لف هذه الجبنة الطرية والطيبة بورق النعناع لان النعان يعمل على حفظها
وابقائها طازجة ، ولهذا يعثر على الكثير من انواعها مخلوطة بورق النعناع. وفضلا عن
هذا ينصح المتذوقون والعارفون بها ان تأكل مع النعناع وزيت الزيتون الى جانب بعض
الخضار وبشكل خاص البندورة والخيار والخبز الطازج .
وفيما يعشق البعض، وخصوصا في الدول الغربية، الحلوم المحفوظة في مائها لطراوتها ، يعشقها البعض الآخر جافة
ومالحة . عادة ما تأتي الحلوم ويتم تناول الحلوم ايضا مع البطيخ وهي من الاطباق
المعروفة في لبنان وقبرص واليونان خلال لصيف ، كما يتم تناولها مقلية كما هو معروف
او مشوية او مذوبة في سندويش الخبز ، إذ ان النار تزيد من تصعد من طعمها اللذيذ
وتجعل منها نكهة خاصة لا تقاوم ولا تقارن بغيرها من الوجبات الصحية الصغيرة .
وتحتوي جبنة الحلوم عادة (في
كل 100 غرام )على 26 غراما من الدهون و22 غراما من البروتين و2.1 غراما من الملح
و1.8 غراما من الكاربوهايدريت بالإضافة الى 322 سعرة حرارية (طاقة ) . ويمكن القول ان هناك فوائد جمة للجبنة من
النواحي الصحية ، إذ ان الحليب بشكل عام يحتوي على الكالسيوم والفسفور وفيتامين
"أ" و"ب" والمعادن مثل الزنك وكل هذه المواد مفيدة جدا للجسم
ولصحة الفرد . كما يحتوي الحليب على واحد من اهم الحوامض الامينية وهو حامض
ال" ترايبتوفان " الذي ينتج الجسم منه عادة مادة "السيروتينين
" المسؤولة عن تحسين المزاج والنوم المريح وبالاخص شعور الفرد بالسعادة
والانشراح. ومن المعروف إن هناك قاسما
مشتركا بين المعمرين حول العالم (فوق المائة عام ) وهو تناول حليب الماعز الذي
يسهل هضمه، وعلى هذا تكون الحلوم من الاجبان المفيدة والصحية.
مهما يكن ، على الارجح ان
تحصل جبنة الحلوم على الحماية الاوروبية قريبا ، والا تواجه اي عائق بهذا الخصوص
وتصبح جزءا لا يتجزأ من تراث الجبنة الاوروبي التقليدي . وقد تدخل جبنة الحلوم
التي اغرم بها الكثير من الناس، التاريخ من ابوابه العريضة وتصبح رمزا من رموز
التوحيد السياسية بدلا من رموز الفرقة والحروب كما كان الحال مع الملح الشمع
والبهارات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق