الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

المطبخ الجليلي في فلسطين- Galilee Cuisine




تحضير الطعام مناسبة للنميمية والنكت واستعادة الذكريات
المطبخ الجليلي في فلسطين
Image result for ‫ألمطبخ الفلسطيني‬‎

لندن : كمال قدورة 
يعتبر المطبخ الفلسطيني من اكثر المطابخ العربية والشامية تقليدية وارتباطا بالماضي والموروثين الديني والفلاحي . ومن اهم المطابخ الفلسطينية الى جانب مطبخ غزة والضفة الغربية هو مطبخ الجليل، حيث توجد بيئة زراعية فلاحية منذ قديم الزمان. ولهذا تكثر اطباق الخضار والبرغل لكثرة القمح والخيرات المحلية ويكثر استخدام زيت الزيتون والاعشاب على انواعها وخصوصا الزعتر. ولهذا تعرف الكثير من البلدات والقرى بطبق الكبة النيئة التي تحضر مع البرغل والبهارات (خلطة خاصة تشمل القرنفل والكمون والقرفة والفلفل وغيره). وعادة ما يتناول الناس هذا الطبق بالخبز "المرقوق " والى جانب ما يعرف ب"الحشوة" وهو طبق بسيط من لحم الغنم المفروم المطبوخ مع البصل في زيت الزيتون . والى جانب ذلك ايضا يقدم الفجل وخصوصا الفجل الاحمر ويتم احيانا دهن وجه صحن الكبة بالفلفل الاحمر الحار . ويتم قلي ما تبقى من الطبق على شكل اقراص بالزيت،اوتحويله الى "كبب" محشية .
كما يحب اهل الجليل الكبة بالصينية وخصوصا لوجبة الغداء وعادة ما تطبخ بالفرن وتقدم الى جانب اللبن او سلطة اللبن والخيار والنعناع. وتحضر الكبة بالصينية بوضع طبقة رقيقة من الكبة في قاع الصينية يضاف اليها طبقة من الحشوة وبعدها طبقة اخرى من الكبة . ولهذا يعرف اهل الجليل مطعميا بالتدبير اي في تدوير وتوفير واستعاضة اي من المواد.    
ففي حال تعذر تحضير الحشوة يتم تناول الكبة النيئة مع زيت الزيتون من دون البصل واللحم. وكان الناس يحضرون لحمة الكبة ويطرقونها على الحجر قبل توفر الماكينات الكهربائية ولا يزال الكثير من الناس يقومون بذلك في منازلهم حتى في مخيمات اللاجئين. ويتم ضرب قطع اللحم وتنظيفها من "الشروش " البيضاء حتى تصبح ناعمة كالمعجون ،وبعد ذلك تخلط بالبهارات وتضاف الى البرغل الذي ينقع عادة بالماء قبل استخدامه .
كما يشتهر الجليل بطبق "المدقداقلو" وهو نسخة بسيطة من طبق الكبة لكن من دون اللحم ، فقط البرغل وخليط البهارات مع البندورة وزيت الزيتون، وعادة ما يكون حارا نسبيا وهومن الاطباق الفلاحية الطيبة والمرغوبة التي تناسب النباتيين هذه الايام .
ولا بد من الذكر هنا  طبق ال"سميدة وبندورة " الذي يطلق عليه البعض اسم "شلباطو " اذا اضيفت اليه قطع الكوسا. ويحضر الطبق عبر طبخ البرغل بصلصة البندورة مع خلطة خاصة من البهارات والبصل . ويقدم الطبق كالكثير من الاطباق الى جانب اللبن والفجل والخضار .
ومن الاطباق الفلاحية الشهيرة التي يدخل فيها البرغل ايضا طبق "المجدرة" او" المجدرة الحمرا : وهوطبق معروف في لبنان وسوريا لكنه يحضر بطريقة مختلفة . إذ يتم قلي البصل حتى يصبح داكن اللون قبل اضافة العدس اليه ليغلي ويسلق . وبعد ذلك يضاف البرغل وزيت الزيتون. ويتم تناول المجدرة الى جانب اللبن والسلطة على انواعها وشتى انواع الكبيس والخضار الطازجة كالبصل الاخضر والفجل والنعناع .  
ويحب اهل الجليل بشكل عام طبق " المقلوبة الشهير وطبق "الفقاعية" وهو شبيه بطبق "اللبن امه " اللبناني الذي يحضر من اللبن واللحم، وطبق "الملوخية الذي يحضر مع لحم الدجاج والغنم.
اما في عالم اليخنات فيستخدم اللحم والعظم لتحسين الطعم وخصوصا في يخنات الفاصوليا والبامية والبازيلاء والسبانخ الى جانب الارز . ويتم طبخ الارز الابيض مع الشعيرية . ويصعب تحضير هذه اليخنات من دون صلصة البندورة. وقبل الانتهاء من الطبخ وكما يفعل الهنود يضاف الى اليخنة الكزبرة الطازجة المفرومة والمقلية بالزيت مع الثوم .
وتعتبر اليخنات عماد وجبة الغداء الجليلية الى جانب الخضار الطازجة مثل البصل الاخضر والفجل او البصل الابيض والفلفل الطازج . وبسبب الفقر ولاسباب اقتصادية، لا يوجد الكثير من اطباق اللحوم الا في المناسبات الكبرى وخصوصا عيدي الفطر والاضحى حيث يكثر اللحم المشوي .
اما الفطور فعادة ما يعتمد على الجبنة واللبنة والزيت والزعتر الى جانب كوب من الشاي ، ومؤخرا اصبح يضم المناقيش وغيره من الاطباق .
وعند المساء، غير الكثير من الناس عاداتهم في تناول الوجبات الكبيرة الشبيهة بوجبات الغداء وتحولوا الى وجبات خفيفة من الجبنة والخيار والسندويشات وغيره .
وكما هوالحال في سوريا ولبنان ، يغرم اهل الجليل باطباق المحاشي وعلى راسها الملفوف وورق العنب والكوسا والبذنجان . واحيانا ما يطبخون الكوسا من دون صلصة البندورة ومع ورق العنب في نفس القدر .
وينطبق الامر على اطبق المازة اي اطباق التبولة واطباق الحمص والمتبل والفول المغطاة بزيت الزيتون التي تقدم الى جانب النعناع الطازج والبصل المقطع والخيار والزيتون والبقدونس والبندورة .   
ومن الاعشاب يرغب اهل الجليل "الدردار " و" الخبيزة " التي تقلى مع البصل و" الشومر" الذي يضاف الى العدس . كم يحب الناس الزعتر الاخضر على انواعه ويتناولونه بالخبز وزيت الزيتون مع اللبنة .
وبشكل عام وقبل تحضير الطعام ، تذهب النسوة الى محلات الخضار لاختيار ما يردن من المواد اليومية وخصوصا الخضار والفاكهة واللحوم.وعادة ما يفضلن الصغير من الكوسى والخيار والاحمر والطري من البندورة الخاصة بالطبخ . ويرغب الجليلي بطبخ الخضار واللحوم لمدة طويلة ويحبها "مستوية "كما يقولون وينطبق الامر نفسه على الفاكهة إذ يرغبها ناضجة وسكرية حلوة. 
وفي الامور الاساسية كالزيت والمخللات والمربى والعدس والبرغل والكشك والطحين وغيره، يعتمد الناس على "المونة" اي التموين من سنة الى اخرى اومن فصل الى آخر .  
لا بد من الذكر هنا انه يصعب على الجليلي تناول الطعام من دون الخبز، إذ يعتبر اساسيا لاي وجبة ، وقبل ان يلجأ الناس الناس الى شراء الخبز الجاهز من السوبرماركت والافران، كان الكثير من الناس يحضرون العجين في المنازل ويأخذونه بعد رقه الى افران الحطب ويدفعون اجرا زهيدا مقابل خبزه . ويطلق اهل الجليل على الخبز اسم ال"كماج " والرغيف " كماجة" وهوعادة سميك الطبع .
بشكل عام يعتبر الطعام عند اهل الجليل، جزءا لا يتجزا من الحياة اليومية والنشاطات اوالمناسبات الاجتماعية والاحتفالات اكانت خاصة، عامة او دينية .
فعادة ما تجتمع النسوة او الاخوات اويجتمع الجيران لتقليم اوراق الملوخية الخضراء قبل تجفيفها ، تنظيف الفلفل الحار وتجفيفه قبل طحنه، ضرب الزيتون وتمليحه وتخليله، وتحضير شتى انواع المخللات  . وخلال المناسبات الكبرى مثل الاعراس والجنازات والاعياد والولادة وغيره يجتمعن ايضا لمساعدة بعضهن البعض لتحضير الطعام .وخلال هذه المناسبات تكثر النميمة ، ويتكلمن عن حياتهن وقصصهم وقصص افراد عائلاتهن ويتبادلن النصائح والخبرات، والاهم من ذلك سرد الذكريات القديمة والنكت .
ويصعب العثور على مناسبة ، لا يدخل فيها الطعام كعنصر اساسي، فمثلا لا يحضر اهل الميت الطعام لاربعين يوما بعدوفاة اهل افراد العائلة ويتكفل بذلك الجيران كعربون للتضامن معهم.
ويعمل الناس عادة على توزيع الحلوى او"الملبس " كما يسمونه بعد ولادة الطفل الذكر ويحجمون عن ذلك عند ولادة الانثى للاسف .
ويعتبر شهر رمضان من اهم المناسبات في عالم الطعام الفسطيني والجليلي، إذ يتم تناول وجبة الافطار في بيت الاب اوكبير السن وتتم دعوة الاقارب والاصدقاء لتبادل الحديث والتقريب بين الجميع .
ولا بد من ارسال الطعام الى الجيران او الاقارب قبل مدفع الافطار ، او بكلام آخر يتم تبادل الاطباق في الدقائق الاخيرة من نهاية الصيام. 
في رمضان ومن دونه ، وقبل استخدام الطاولات كان افراد العائلة بشكل عام يتحلقون على الارض حول الطبق الذي يسمونه "السدر" والذي توضع عليه جميع الاطباق، ولا يفترض لمس الطعام قبل غسل اليدين وحضور الجميع. وعادة ما تكون الافضلية في كل شيء لكبير السن، حتى في تناول الماء. تتم "التسمية "(النطق بالبسملة) وياخذ الجميع قطع الخبز ويبداون بتناول الطعام . ولا بد من ان يكون ابريق الماء جاهزا الى جانب الجالسين . ومن عادة الناس استخدام اباريق الفخار لابقاء الماء باردا ومنعشا لكنهم تحولوا مؤخرا الى استخدام اباريق الزجاج والزجاجات البلاستيكية اوما يعرف ب"القناني " . ومن عادات اهل الجليل وضع اغصان المريمة التي يطلقون عليها اسم ال"جعساس" في الاباريق . إذ انها تساعد على تهدئة المعدة .
وفي اليوم الاخير من ايام رمضان تجتمع النسوة اويوم "الوقفة " لتحضير الحلويات والكعك وعادة ما يشمل "المعمول " المحشو بالتمر . كما تشمل اعمال الزكاة تقديم اللحوم الى الفقراء قبل وخلال اليوم الاول من ايام العيد .
مهما يكن فإن المجتمع الجليلي الجبلي كالكثير من المجتمعات المشرقية ، مجتمع ذكوري الطبع، ولهذا تلعب "البنات"دور الخادم في معظم المنازل ، إذ يفترض بالبنت ان تحضر الطعام الى جانب امها ،وفي غياب امها يفترض ان تحضره وحدها الى والدها واخوتها .وينطبق الدور على الضيف ايضا إذ يفترض بالبنت ان تحضر القهوة او الشاي او الحلوى الى الضيوف . ولا بد من الذكر هنا ان القهوة والشاي هي ما يقدم للضيوف عادة الى جانب السجائر وعادة ما تكون القهوة او الشاي حلوة .
وعلى سيرة الضيوف ، يقدم اهل البيت عادة افضل انواع الطعام الى الضيف للتباهي، وحتى عندما تقدم له القهوة اوالشاي فهي تقدم عادة بافضل الفناجين الملونة او كاسات الشاي الرقيقة والخاصة والتي يتم عادة عرضها في "خزائن" زجاجية الابواب يطلق عليها اسم "النملية " .

واذا ارادوا الاحتفاء بالضيف على حساب انفسهم ، يشترون من الطعام ما لا يشترونه ويتناولونه عادة ، وهنا تطغي عقلية القبيلة على عقلية العائلة وتمسحها .

في التعاطي مع الضيف ،  يحتار الجليليون  كما هو واضح بين الكرم والسياسة والتباهي على الرغم من بساطتهم  الفلاحية الطبع .


    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق