قصة علاقة المسلمين والرومان بتأسيس المطبخ الحديث في الأندلس
إسبانيا تتحول إلى جاذب لجوائز الطعام والمطاعم العالمية..
لندن: كمال قدورة
المطبخ الإسباني، من المطابخ الأوروبية والدولية المعروفة والمشهورة والمتنوعة أيضا لكثرة أقاليمها، والملقحة جدا بمطابخ هامة وقديمة مثل المطبخ العربي أو المغربي والروماني والبرتغالي ومطابخ أميركا اللاتينية. فالتنوع الداخلي والاحتكاك الكبير ولسنوات طويلة بين الإسبان وغيرهم من الشعوب (ايام المسلمين في الأندلس وأيام الحملات الصليبية وأيام الاكتشافات الجغرافية والسيطرة على بعض مناطق أميركا الجنوبية والحرب مع الفرنسيين) أغنى هذا المطبخ الهام المميز والمعروف بطزاجة مواده وفوائده الصحية ومذاقاته اللذيذة.
كما ـ وبسبب علاقة الإسبان بالبحر تاريخيا ـ يعرف المطبخ الإسباني على انه أكثر المطابخ اهتماما بالمأكولات البحرية والحيوانات البحرية مثل القريدس والأسماك. وليس غريبا أن تبدأ قصة الطعام والمائدة في إسبانيا بالقمح، الذي كان من أول الأنواع التي تصل الى الجزيرة الإيبيرية من الخارج خصوصا من منطقة الباسك الشمالية أو مناطق فرنسا المحاذية المعروفة بـ«اكويتين» قديما، وليس من الجنوب كما يعتقد البعض. وكان القمح الإسباني أفضل أنواع القمح في العالم أيام الإمبراطورية الرومانية، حيث كان أهم المواد المصدرة للخارج التي تدر مدخولا كبيرا للعوائل المالكة. ولهذا السبب بالذات ركز الرومان على القمح الإسباني لإنتاج الطحين وبالتالي الخبز، ونشروا زراعة القمح من إسبانيا الى مصر واليونان وغيرهما من المناطق السهلية الهامة في الإمبراطورية مثل تركيا والمغرب وسوريا ولبنان. لكن قبل ذلك أدخل الفينيقيون القادمون من لبنان الكثير من الأنواع التي انتشرت لاحقا وأصبحت جزءا من المطبخ كالزيتون وزيته. كما ورث الإسبان واستوردوا من أميركا اللاتينية البندورة والبطاطس والفلفل الحار والكثير من أنواع الخضار والفاكهة كما هو معروف. وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار، ان الحفريات تشير الى استخدام البصل والثوم وبعض أنواع البقولات والحبوب والفاصوليا منذ قديم الزمان. على أي حال فإن النقاد وخبراء الطعام، يقسمون إسبانيا مطبخيا إلى قسمين شمال وجنوب، في الشمال يكثر استخدام شحم الحيوانات والفطر لطبيعة الأحوال الجوية الباردة، وفي الجنوب يعتبر المطبخ اكثر متوسطية وأقرب إلى مطابخ دول حوض المتوسط والعالم العربي منه الى المطبخ الأوروبي.
الكثير من الأطباق الإسبانية المعروفة حاليا كانت تطبخ أيام الرومان، رغم أن بعضها كان حكرا على الطبقات العليا والأرستقراطية. وكان المطبخ الإسباني مدار حديث أهل روما، كما هو الحال مع مطابخ الإمبرطورية الرومانية الأثنية والعرقية المختلفة التي تضم مطابخ من ثلاث قارات. ومن الخضار التي كانت دارجة آنذاك الملفوف والبصل والخرشوف أو الأرضي شوكي. كما صدرت إسبانيا الكثير من الماشية، وكان الحمص الذي يطلق عليه اسم «غاربانزوس» (طعام الفقراء) والعدس مستخدمين بكثرة آنذاك الى جانب الفول الذي كان الرومان يقدسونه ويستخدمونه لاختيار ملك الحفل. وبالطبع كان الخل جزءا من التراث المحلي منذ قرون، وتعد إسبانيا حاليا من أهم الدول المنتجة له ولأنواعه في أوروبا.
وكان أهل الجزيرة الإيبيرية خصوصا اسبانيا يستخدمون أيديهم لتناول الأكل كما هو الحال مع أهل اليونان، وقبل انتشار ظاهرة الشوكة لاحقا. كما استخدموا الصحون المسطحة التي تعرف بـ« باتيلا» (patella) والصحون العميقة (ما يعرف بـ«الجاط») ويطلق عليه اسم «كاتينوس» (catinus). واستخدموا أيضا الكراسي والفوط على المائدة منذ القرن الأول على ذمة الموسوعات التاريخية. وكغيرهم من الأوروبيين أيضا عرفوا منذ وقت طويل استخدام الملاعق على انواعها وأحجامها، وكانوا يصنعونها أحيانا من الصدف والفضة. ورغم توفر السكاكين، لم يستخدموها كثيرا في قديم الزمان، إذ كان الطعام يقدم مقطعا خاصة في منازل الأغنياء الذين يولون المهمة عادة الى العبيد.
تعتبر المرحلة الرومانية المرحلة الأولى التي أسست للمطبخ الإسباني، إلا ان المرحلة الثانية والفاصلة كانت مع المسلمين والعرب والمغاربة بشكل خاص أيام الأندلس، إذ على عكس الرومان الذين أدخلوا الثوم كما يقال وأسسوا للصناعة الموسعة لزيت الزيتون والقمح، لكن المسلمين أدخلوا إلى الأندلس الوسائل الزراعية الحديثة وأنظمة الري الفعالة، فضلا عن الفاكهة المجففة والمكسرات والأرز إلى منطقة فلنسيا والكثير من أنواع الأعشاب والتوابل مثل القرفة والزعفران وجوز الطيب والخرشوف واللفت وقصب السكر وغيره. على أي حال فإن الإسبان بشكل عام، يحبون الخضار، لكنهم يحبون اللحوم ومشتقاتها أكثر. ومع هذا فهم يحبون الخضار مطبوخة جيدا (مستوية)، وعادة ما تكون مبخرة أو مسلوقة كما هو الحال في اوروبا الشمالية. كما يعتمد الإسبان على الملح كثيرا في معظم الاطباق. وهناك في إسبانيا حاليا اهتمام كبير بالطبخ والمطبخ وعوالمه، لذا يوجد كثير من المجلات الخاصة بالطعام والمآكل في الأسواق، التي تسيطر على أجندة المآكل المعروفة والمآكل الحديثة السريعة التحضير والقليلة الأملاح والسكر والمواد المضرة والصحية. ولذا هناك كثير من الأسبان من النباتيين، ويمكن العثور في المدن الرئيسية على الكثير من محلات بيع البضائع والمواد المفيدة للصحة، أكانت خضارا أم فاكهة أم غيره. ويعرف في عالم المطبخ التفلزيوني الطباخ الشهير كارلوس ارغوينانو. ومع هذا فإن التنوع في الخضار غائب في معظم المطاعم الإسبانية. ويقتصر الخيار أحيانا على شرائح الباذجان المقلية والفلفل الحلو المشوي وأحيانا الكوسا واللوبيا الطازجة.
يقول بعض الخبراء، إن المطبخ الإسباني هذه الأيام أصبح موضة كما كان يحصل مع المطاعم الصينية واليابانية والأميركية، إذ اختارت صحيفة النيويورك تايمز قبل خمس سنوات الطباخ الإسباني فيران ادريا كأفضل طباخ في العالم على حساب المطبخين الإيطالي والفرنسي. ويملك ادريا مطعما معروفا باسم «إل بولي» ـ El Bulli ـ في إقليم غيرونا في، بالقرب من الكوستا بارفا، يعتبر من أجمل وأهم المطاعم في العالم، وحاز من عام 2002 أربع جوائز سنوية كأفضل مطعم في العالم قاطبة. ويعتبر المطعم من أهم المطاعم التي تركز على التصميم والفن في الطعام، لذا يستخدم الكثير من التقنيات الكيميائية والمطبخية الحديثة لتحضير بعض الأطباق. وتكلف أي وجبة في المطعم على الأقل 250 دولارا. وفي إسبانيا أيضا أربعة طباخين معروفين عالميا، وتحصل مطاعمهم على 3 نجوم من دليل ميشلين المعروف عالميا، وهم، خوان ارزاك صاحب مطعم «ارزاك» (Arzak) في سان سابيستيان في اقليم الباسك (من المطاعم التي تركز على المآكل الإسبانية التقليدية والتاريخية بحلة فاخرة وغالية الثمن)، وكارمي روسكاليدا صاحبة مطعم «سانت باو» (Sant Pau) في سانت بول دي مار بالقرب من برشلونة في الباسك أيضا، ومارتن بيراساتيغوي صاحب مطعم «بيراساتيغوي» (Berasategui) في لاسارتيه في الباسك (يعتبر واحدا من أفضل خمسين مطعما في العالم)، وسانتي سانتماريا صاحب مطعم «ال راكو» (El Raco) في كان فابس بالقرب من برشلونة ايضا (من المطاعم التي تركز على المطبخ المتوسطي الطازج). من الأطباق المعروفة جدا على الصعيد الوطني حاليا (رغم أصولها المحلية، لم تعد كذلك)، «تورتيلا دي باتاتا» (tortilla de patata) او «اومليت البطاطس»، ويطلقون عليه احيانا اسم «تيرتولا اسبانيولا». ويحضر الطبق عادة ككعكة من البيض والبطاطا المقلية والبصل والثوم. وأحيانا تختلف طريقة تحضيره من منطقة الى أخرى. وهو من الأطباق المأخوذة عن المطبخ الفرنسي والعربي، لذا يحبه الناس كثيرا في أميركا الوسطى ومناطق الأندلس وجزر الكناري. كما هناك طبق الـ«بايلا» (Paella) وهو من أطباق الأرز المعروفة التي كانت معروفة من ايام المسلمين في فلنسيا، ولذا يعرف منه كثيرا طبق «بايلا فلنسيا» (paella valenciana) المطبخ بالأرز الأبيض واللحم والخضار والحلزون والفاصوليا والتوابل وزيت الزيتون والزعفران، وطبق «بايلا دي ماريسكو» (paella de marisco) الذي يعتبر القسم البحري من البايلا، ولذا لا يشمل الفاصوليا واللحم والخضار والحلزون فقط الحيوانات البحرية والتوابل. وهناك طبق «بايلا ميكستا» (paella mixta) أي البايلا المخلوطة التي تضم كلا من الطبقين السابقين. كما يعرف الإسبان أيضا ووراثة عن البرتغاليين والمغاربة طبق «ميغاس» (Migas) الذي يستخدم لوجبة الفطور، وهو محضر من بقايا الخبز في المنزل. ويستخدم الإسبان كثيرا السجق والمقانق، وهناك أنواع معروفة مثل «ايمبوتيدو» (embutido) الذي يركز على التوابل و«تشوريزو» (Chorizo) المرغوب أيضا في عدد كبير من البلدان الاخرى.
وفضلا عن شتى انواع اليخنات، يستخدم الإسبان الكثير من انواع الجبن البيضاء والصفراء اللينة والمعتقة أو الناضجة. كما يضم المطبخ الإسباني الكثير من الاطباق التي تعتمد على البقولات والحبوب مثل الفاصوليا الخضراء والحمص والعدس وغيره، فضلا عن الكثير من أنواع الحساء والخبز، وهي أنواع كثيرة ـ حسب المنطقة كما هو الحال مع شتى أنواع الحلوى التي يشتهر منها الأرز بالحليب أو (Arroz con leche). وكما هو معروف ان هذا الطبق من الأطباق التي يختلف حول أصولها الفارسية أم الهندية لكنها من الأطباق الدولية. ويحضر الاسبان الارز بالحليب من الحليب والارز والليمون والقرفة والسكر. وتعرف من أنواع الحلوى التقليدية ايضا (Nougat)، أي النوغا، وهي عادة مصنوعة من السكر والليمون واللوز المحمص أو الفستق المحمص او الفستق الحلبي. ويحضر عادة أثناء فترة الأعياد نهاية العام.
ومن الأطباق المعروفة جدا في البلاد أيضا يخنة الفاصوليا المعروفة بـ«فابادا استوريانا» (Fabada Asturiana) من منطقة استورياس. وهي من اليخنات التي تشمل عدة أنواع من النقانق والفاصوليا البيضاء والزعفران ولحم الـ«بيكون» والزعفران، ويقدم قبل الصحن الرئيسي كمازة مع الخبز المحمص. ومن أنواع الحساء لا بد من ذكر «كازباتشو» (Gazpacho) وهو عبارة عن حساء البندورة أو الطماطم من أصول أندلسية فلاحية، ومعروف جدا في أميركا اللاتينية والبرتغال. ويحضر الطبق عادة من الخيار والبندورة والبصل والثوم والبقدونس والفلفل الحلو الأحمر والأخضر وزيت الزيتون وخل الكرز والماء والملح والسكر وعصير الليمون والخبز. أما الخبز، فهناك ما لا يقل عن 315 نوعا منه في شتى المناطق والأقاليم، ويطلقون عليه اسم «بان» (pan) وهناك منطقة في إقليم زامورا يطلق عليها اسم «ارض الخبز» أي (Tierra del Pan). وهو نفس الاسم الذي يستخدمه أهل المكسيك للخبز وأهل الفيلبين الذي يطلقون عليه «بانديسال» (pan de sal) الذي يعني «الخبز المالح». وعادة ما يبدأ الإسباني يومه بالشوكلاته المكثفة والساخنة التي يطلق عليها (desayuno).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق