الهال... ملك البهارات
زرعه البابليون في حدائق الملوك وأغرم به العرب
لندن: كمال قدورة
الهيل (الهال) واحد من أجود وأطيب وأفخر أنواع البهارات حول العالم، وهو أيضاً من أغلى أنواع البهارات بعد الزعفران والفانيليا وأهمها بعد الفلفل الأسود. وقد أغرم العرب به وأضافوه إلى القهوة التي يعشقونها أيضاً، بعد أن استخدموه كثيراً في تحضير الوجبات والولائم، وخصوصاً مع الأرز، وفي تحضير اللحوم والتخلص من روائحها الزفرة.
وفيما يطلق البعض اسم «ملك البهارات» على الفلفل الأسود، يطلق على الهيل لقب «ملكة البهارات»، ويعود موطنه الأصلي إلى جنوب القارة الآسيوية من سريلانكا إلى شرق ماليزيا وغرب إندونيسيا، حيث تكثر الغابات الاستوائية. ويكثر هذا البهار الممتاز كما هو معروف في غواتيمالا وتنزانيا وغرب الغاتس في جنوب الهند، حيث تعرف المنطقة الأغنى بالهيل بـ«تلال الهيل». وقد بدأت غواتيمالا بزراعة الهيل في العشرينات من القرن الماضي، ومع هذا تعتبر من أهم المنتجين للهيل في العالم، وأهم من الهند وسريلانكا.
الهيل كما هو معروف نوعان ينتميان إلى الفصيلة النباتية الزنجبيل - Zingiberaceae، التي تشمل الأعشاب العطرية المعمر، وتضم 52 جنساً وأكثر من 1300 نوع (تنتشر في المناطق الاستوائية في أفريقيا وأميركا وآسيا). والنوعان هما الهيل الأخضر (Elettaria cardamomum) أو الهيل الطبيعي أو الأبيض كما يسميه البعض أحياناً، وينتشر من ماليزيا إلى الهند، ويكثر استخدامه في الدول العربية والإسلامية، ومنطقة الشرق الأوسط بالتحديد. والهيل الأسود أو الهيل البني (Amomum cardamomum) وهو نوعان: النوع الأول ذات الحجم الصغير يطلق عليه علميا اسم Amomum subulatum - أموموم سوبولاتم، وأحياناً يسمى بالهيل النيبالي ويستخدم كثيراً في الهند وباكستان. والنوع الثاني الكبير الحجم يطلق عليه اسم A. subulatum - «إيه. سوبولاتم». ويستخدم كثيرا في المطبخين الصيني والفيتنامي وبعض المطابخ الهندية.
إضافة إلى ذلك، فإن الناس يطلقون على الأسود أسماء كثيرة أيضاً مثل الكرافان؛ نسبة إلى معبد كارافان الكمبودي، و«هيل جافا» نسبة إلى منطقة جافا في سريلانكا، وهيل بنغالي نسبة إلى بلاد البنغال وبنغلاديش، وأحياناً يطلق عليه أيضاً اسم الهيل السيامي نسبة إلى سيام والهيل الأحمر والهيل الهندي والهيل النيبالي، وعادة ما يتوزع في كثير من الدول الآسيوية وأستراليا.
ومن أسماء الهيل العالمية أيضاً الحبهان في مصر، والقاع أو القلة أو القعقلة في المغرب العربي. ويطلق عليه التاميل اسم إيلام وأهل تايلاند اسمي كرافان وغراواهن، وأهل ماليزيا بواه بيلاغا، وأهل إندونيسيا كابولاغا، وأهل بورما فالازي، أما في الهند فيطلق عليه عدة أسماء مثل تشوهوتي واليتشي.
أما اسم الهيل بالإنجليزية كاردوموم - Cardamom فتعود أصوله إلى الاسمين اللاتيني cardamomum والفرنسي القديم cardamome وكلاهما يتدرج من الاسم اليوناني kardamomon (يجمع بين اسمين kardamon و amōmon) المأخوذ من اسم أحد أنواع البهارات الهندية منذ القدم. وكان الإغريق يستخدمون الاسمين أيضاً للتدليل على البهارات القادمة من الهند.
يقول الخبراء إن تاريخ الهيل من تاريخ الإنسان والبشرية أي أنه قديم قدم تاريخ الطعام. أما أقدم آثار الهيل التي عثر عليها في العالم فتعود إلى 2000 قبل الميلاد، وفي مدينة نيبور أو مدينة نفر وهي أقدم المدن السومرية التي تقع في محافظة القادسية في العراق، وكانت مقعد «إله الريح» المعروف بـ«إنليل». وحسب الألواح الطينية القديمة هناك، كان الناس يستخدمون الهيل المطحون في الخبز ويضيفونه إلى الحساء.
كما يؤكد المؤرخون أن البابليين كانوا يزرعون الهيل في حدائق الملوك في عام 750 قبل الميلاد.
وجاء ذكر الهيل في الـ«تايتيريا سمحيتا - Taitirriya Samhita»، الذي يعتبر من الكتب الهندوسية القديمة والمهمة في التراث الهندي. وحسب الكتاب كان الهنود يستخدمون الهيل في طقوس الأضاحي، وخصوصاً النيران، وكان الهيل عنصراً من عناصر تحضير الأضاحي إلى جانب كثير من المواد الأخرى خلال الأعراس الهندوسية التقليدية القديمة؛ 3000 سنة قبل الميلاد.
كما جاء ذكر حب الهيل في كثير من الكتب والنصوص التراثية الهندية القديمة الأخرى في الفترة الفيدية (بين 500 و1500 ق.م) مثل آرثاشاسترا - Arthashasthra الذي يتناول المعاهدات والاستراتيجيات العسكرية في القرن الرابع قبل الميلاد و«شاراكا سمحيتا» Charaka Samhita)) بين القرنين الثاني قبل الميلاد والثاني بعد الميلاد. وفي هذا الكتاب المهم الذي يتناول النظريات حول جسم الإنسان، يجري الحديث عن الهيل كأحد العناصر المهمة التي تستخدم في صناعة الأدوية وتحسين مذاق الطعام والمشروبات.
ويشير بعض المصادر إلى أنه في القرن الحادي عشر في الهند، تم تضمين الهيل في قائمة المكونات في الكثير من النصوص ومنها «كتاب الروعة». كما تم تضمينه في وصفات من محكمة سلطان ماندو التي يرجع تاريخها إلى القرن السادس عشر. وتشمل هذه الوصفات الشراب، وأطباق الأرز بنكهة مع الهيل.
بالإضافة إلى ذلك، فقد استخدم الهنود الهيل لغايات كثيرة وعلى رأسها الغايات الطبية، ومنها التخلص من السمنة وعلاج المصابين بها. ولا يزال البعض ينصح بتناول الحليب الساخن مع الهيل المطحون حتى الآن للتخلص من الدهون المتراكمة في منطقتي البطن والأرداف.
أصبح الهيل مادة تجارية مهمة مع جنوب آسيا في الألف سنة الأخيرة عندما نشر التجار العرب سبل استخدامه على نطاق واسع في أنحاء المعمورة. وقد وصف الرحالان البرتغاليان كباربوسا (عام 1524) وغارسيا دا أورتا (عام 1563)، عمليات تصدير الهيل من سواحل مالابار الهندية القريبة من مناطق انتشاره. وفي ذلك الوقت كانت تجارة الهيل قد تأسست، وأصبحت تجارة دولية مهمة جداً.
واحتكرت ولاية كارالا الجنوبية في الهند عمليات تصدير الهيل حتى القرن الـ18 وبداية الاستعمار البريطاني في البلاد. وجعل البريطانيون محصول الهيل ثاني أهم المحاصيل التي يعتمدون عليها في الهند بعد القهوة. وكانت معظم كميات الهيل تذهب إلى تجار الهيل من المسلمين والراجا، أو الملوك الهنود، أما البقية وخصوصاً الكميات الفاخرة فكان يتم تصديرها إلى خارج الهند وخاصة إلى أوروبا وأميركا.
ويؤكد المؤرخون أن الهند بدأت بتصدير الهيل إلى أوروبا في بداية القرن الثالث عشر، وقام رحالة الفايكينغ بنقله من تركيا أو القسطنطينية، وبالأدق إلى الدول الإسكندنافية قبل ألف عام من الآن، ولا يزال حتى الآن من البهارات التي تحظى بشعبية في ذلك الجزء من العالم الشمالي. ويستخدم الهيل حالياً في الدول الإسكندنافية في صناعة بعض أنواع كحول عيد الميلاد، وتحضير اللحم المفروم والحلويات.
وتشير النصوص التي عثر عليها على أوراق البردي ويعود تاريخها إلى 1500 قبل الميلاد، إلى أن الفراعنة كانوا يمضغون حبوب الهيل لتنظيف أسنانهم ولتحسين رائحة الفم، واستخدموا الهيل لصناعة الأدوية، وفي عمليات التحنيط، وفي كثير من الطقوس الدينية والثقافية.
وجاء ذكر الهيل في «ألف ليلة وليلة»؛ على أساس أنه من المواد التي تتمتع بخواص مثيرة للشهوة الجنسية.
وفي أثينا القديمة جاء ذكر الهيل في كتابات ابن ليسبوس ثيوفراسطوس في القرن الرابع قبل الميلاد وهو من أول العلماء الإغريق الذين حاولوا تصنيف النباتات «على أساس من أشكالها وطرائق نموها».
وجاء ذكره بعد ذلك في كتابات الطبيب اليوناني المعروف ديسقوريدوس في القرن الخامس قبل الميلاد. وكان ديسقوريدوس الذي ولد في الجزيرة السورية ودرس الطب في الإسكندرية قد تتلمذ على ثيوفراسطوس قبل أن يصبح طبياً عسكرياً لجيوش الإمبراطور الروماني نيرون الأجنبية.
وبشكل عام اهتم الإغريق والرومان بالهيل وأحبوه واستخدموه بشكل كبير في صناعة العطور والمراهم والزيوت العطرية.
يستخدم الهيل بكثرة في طبخ الأرز وكل أنواع الكاري والأطباق الرئيسية، وتحضير كثير من أنواع الحساء والحلويات والمشروبات وغيرها.
وعلى الصعيد الطبي والعلاجي، تقول الموسوعة الحرة: «يُعتبر الهال أحد أقدم المنتجات النباتية التي استخدمت علاجاً لكثير من الأمراض، وهو ما دلت عليه مدونات الطب اليوناني القديم، وكثير من نصائح الطب الشعبي اليوم في كثير من مناطق العالم. فالوصفات الشعبية تنصح بالهيل لاضطرابات عدد من أجهزة وأعضاء الجسم. ويفتح الشهية ويُخفف من الغازات وحرقة المعدة اللتين يسببهما تناول الثوم أو البصل... وتنصح رابطة الحمل الأميركية بتناول بعض من الهيل أو زيته للتقليل من الغثيان والقيء أثناء الحمل».
وبشكل عام يستخدم الهيل في علاج اضطرابات الهضم والصداع، واضطرابات البول والاضطرابات التناسلية، ويساعد في علاج مرض السيلان، ويعالج التهابات المثانة، ويخلص الكلى من المواد الضارة.
ويستخدم البعض الهيل للتخلص من الاكتئاب والضعف الجنسي وحالات القذف الضعيفة، بالإضافة إلى اضطرابات النطق الضعيفة. وتضيف الموسوعة أن الهيل بـ«خلطه بالقرفة يعالج حالات التهاب البلعوم، والحلق، واللوزتين أو الجزء اللحمي من نهاية اللسان، وخشونة الصوت عند تناوله في المرحلة غير المعدية من الأنفلونزا».
والأهم من ذلك يقوم الهيل بتحسين نظام الدورة الدموية، وقتل الجراثيم في الماء، وتعقيم وتطهير البشرة والشعر، والحماية من البكتيريا والتعفن بشكل عام. وعلى صعيد الشعر يشير موقع «موضوع» على شبكة الإنترنت، إلى أن مكونات الهيل الطبيعي تقوي بصيلات الشعر وجذوره، وتغذي بذور الشعر وتمنع من تساقطه، كما أنه يكافح فطريات فروة الرأس؛ وساعد على التخلص من القشرة. أضف إلى ذلك أن الهيل يساعد على تطويل الشعر وتنعيمه «خاصة عندما يكون من النوع السميك والمجعد»؛ ولذلك يتم استخدام خليط أو معجون من الهيل وزيت الزيتون والقرنفل والفلفل الأسود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق