البازلاء ساعدت الشعوب على الاستقرار... والفلاحين على البقاء
الحبة الخضراء التي حيرت الخبراء بمصدرها
لندن: كمال قدورة
يقال إن البازلاء كانت أول الحبوب أو المحاصيل التي أنتجها وزرعها الإنسان منذ قديم الزمان، ولأسباب كثيرة، أهمها دعم الاستقرار للقبائل الرحَّل.
ويعتقد الخبراء أن البازلاء جاءت من الشرق، خصوصًا من تركيا وسوريا والأردن وفلسطين، وانتشرت من تلك المناطق حول العالم. ويزيد البعض على تلك المناطق شمال غربي الهند وأفغانستان وجبال إثيوبيا، إذ لا يزال بالإمكان العثور على البازلاء البرية في أفغانستان وإيران وإثيوبيا.
وباختصار يعتقد الخبراء إن البازلاء تطورت في ثلاث مناطق حول العالم؛ الأولى في وسط آسيا وشمال الهند وأفغانستان والثانية في تركيا وإيران وبعض البلدان العربية والثالثة في إثيوبيا الأفريقية.
وقد عثر علماء الآثار على بقايا حبوب البازلاء البرية في أحد الكهوف الواقعة بين بورما وتايلاند يعود تاريخها إلى عام 9750 قبل الميلاد.
كما عثر العلماء على هذه الحبوب في شمال غربي العراق ويعود تاريخها إلى عام 7000 قبل الميلاد.
ومع هذا يعتقد البعض أن مصر الفرعونية هي أرض البازلاء الأصلية، إذ اعتمد المصريون عليها كثيرًا، ومنذ قديم الزمان، ويعود تاريخ أول حبة بازلاء في أرض الفراعنة إلى 4800 سنة قبل الميلاد وإلى منطقة حوض النيل، وقد عثر على بعض البازلاء في مصر العليا يعود تاريخها إلى عام 3600 قبل الميلاد، وتم العثور على كثير من حبوب البازلاء في قبور الفراعنة القديمة.
وتم العثور على حبوب مماثلة في المجر وفي سويسرا يعود تاريخها إلى عام 300 قبل الميلاد.
وكما هو معروف فإن الإغريق والرومان قديمًا كانوا يزرعون وينتجون البازلاء بكثرة بين القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد، وكانوا يجففون الحبوب ويبيعون البازلاء في الأسواق الشعبية مطبوخة وساخنة وشوربة، ويعتقد بعض الخبراء أن البازلاء وصلت إلى أثينا من المناطق القريبة من سويسرا أو من الهند إلى الشرق ثم أثينا.
وقد نشر ابيشيوس (الذي يعني اسمه حب الطعام) في القرن الأول للميلاد أيام الإمبراطور طيباريوس، تسع وصفات لطبخ البازلاء الجافة في كتاب «مكان المطبخ»، وكان بعضها يخلط بين البازلاء والخضار، والبعض الآخر بينها وبين البهارات. أما بعض الوصفات الأخرى، فشملت اللحوم، ومنها لحوم الطيور.
لا يعرف العلماء متى وصلت البازلاء إلى الصين، لكنهم يعرفون أنها كانت تُزرَع في القرن السابع للميلاد هناك، وكان يُطلق عليها اسم «HU TOU» الذي يعني «بقولات أجنبية»، ولا يزال الصينيون يعتبرون أوراق البازلاء من المواد المهمة والفاخرة في الطعام. والأهم من ذلك أن الصينيين كانوا أول من استخدم قرن البازلاء كاملاً في الطبخ، وتعاطي مع البازلاء واستخدمها خضراء لا جافة، كما كان يحصل في كثير من مناطق العالم.
وحسبما يؤكد الموقع الكندي المعروف على شبكة الإنترنت «بست كوكينغ بلسيز»، وصلت البازلاء إلى فرنسا في عام 800م، وبدأت تصبح طعامًا للفقراء والفلاحين، خصوصًا البازلاء الجافة، بسبب القدرة على خزنها واستخدامها خلال فصل الشتاء ورخص أسعارها، ولحقت لندن وبريطانيا بفرنسا وأوروبا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وبدأ الإيطاليون يستخدمون حبوب البازلاء الخضراء في القرن الرابع عشر. وبعدها جلبت كاثرين ماديتشي معها من إيطاليا إلى فرنسا أيام الملك هنري الثاني حبوب البازلاء الإيطالية الصغيرة المعروفة بـ– piselli novella التي يُطلَق عليها في فرنسا هذه الأيام petit pois.
وفي إطار انتشار ظاهرة استخدام البازلاء الخضراء وغرام الناس بها في فرنسا وإنجلترا في نهاية القرن السابع عشر، تقول زوجة الملك لويس الرابع عشر مدام دو مانتينون عام 1696: «بعض السيدات، وحتى بعد تناول العشاء على الطاولة الملكية... والعودة إلى منازلهن، وتحت خطر المعاناة من سوء الهضم، يتناولن البازلاء مرة أخرى قبل الذهاب إلى السرير. إنها موضة وجنون».
وانتشرت زراعة البازلاء في أوساط الفلاحين في بريطانيا أيام الملك جورج الثالث في القرن الثامن عشر، لأنها كانت رخيصة، وكانت مساحات الأراضي التي يستصلحونها صغيرة بسبب القوانين المحلية. وتبع ذلك ظهور أول لائحة فرنسية تضم 50 نوعًا من البازلاء، في بدايات القرن التاسع عشر. وقد وصلت لائحة أنواع البازلاء التي تزرع حول العالم إلى ألف نوع هذه الأيام. وفي ذلك دلالة على الشوط الكبير الذي قطعته هذه النبتة نحو الشهرة في جميع أنحاء العالم.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، كان العالم والراهب النمساوي غريغور مندل أبو علم الوراثة يراقب شتلات البازلاء عندما وضع قانون مندل الوراثي.
وبعد انتشار ظاهرة الخضراوات المعلبة، كانت البازلاء على رأس الخضار المعلبة، وأصبحت منذ ذلك الوقت جزءًا لا يتجزأ من الأطباق التقليدية في الولايات المتحدة وبريطانيا. ولا بد من الذكر هنا أن 5 في المائة فقط من البازلاء في العالم تُباع طازجة، أما البقية يتم تعليبها وتثليجها. وفيما يصر البعض على أن أصل اسم البازلاء الإنجليزي بـpea، يرجح أن يكون أصل الاسم من اللغة اللاتينية pisum الذي جاء من اليونانية pison، وبعد احتضان اللغة الإنجليزية له صار يُطلَق على النبتة اسم pise أو pisu الذي تحول لاحقًا إلى pease. وأخيرًا، وفي القرن التاسع عشر كما يقول قاموس «أكسفورد»، تم حذف الحرف الأخير لضرورات في تسهيل القواعد.
الفوائد الصحية للبازلاء
يحتوي ثلاثة أرباع كوب من البازلاء على كمية أكبر من البروتين مما تحتوي عليه البيضة الواحدة. وفي هذا دلالة بسيطة على عظمة البازلاء وما لا يعرفه الناس عن فوائدها الصحية الجمة.
ويبدو أن هذه الحبة الخضراء الصغيرة والطيبة من أهم الخضراوات من هذه الناحية لاحتوائها على كثير من المركبات الغذائية المهمة مثل الكربوهيدرات والفيتامينات والمعادن والألياف والبروتين كما سبق وذكرنا:
- تساعد البازلاء على علاج تقرحات المعدة بامتصاصها للأسيد في المعدة. ويقال أيضًا إنها تقي من سرطان المعدة، لاحتوائها على مركبات البوليفينولية (كوميسترول) كما كشفت الدراسات الأخيرة في المكسيك. أضف إلى ذلك الوقاية من الإمساك ومشكلات الهضم.
أضف إلى ذلك أن بإمكان البازلاء تنبيه الأمعاء.
- الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية والمحافظة على صحة الشرايين، لاحتوائها على المواد المضادة للأكسدة.
- خفض الكولسترول في الدم بسبب احتوائها على فيتامين النياسين، كما تساعد البازلاء على تنظيم كمية السكر في الدم أيضًا بسبب الألياف والبروتينات التي تبطئ امتصاص السكر.
- تعزيز العظام لما فيها ما يكفي من فيتامين «ك» وفيتامين «ب» الذي يحمي من هشاشة العظام.
- مفيدة جدًا للبصر والعين لما تحتويه على مواد مهمة مثل اللوتين والكاروتين والزاكسين. وباختصار تحمي من العمى.
- تحسن البازلاء البشرة لما فيها من فيتامين «ج»، ولهذا السبب ولاحتوائها على فيتامين «ب» تقوي الشعر أيضًا.
- ويقول موقع «فوائد نت» في هذا المضمار إن المواد المضادة للأكسدة والمعادن في البازلاء تعزز مناعة الجسم، وخصوصًا الفلافونويدات كالكاتشين والايبيكاتشين. والكروتينات ألفا وبيتا والأحماض الفينولية كحمضي الكافييك والفيروليك بالإضافة إلى البوليفينولات، خصوصًا الكوميسترول والحديد والنحاس والزنك والكالسيوم والماغنيسيوم.
- ولأن البازلاء تساعد على زيادة الشعور بالشبع، فإنها تساعد على تخفيض الوزن.
- والأهم من كل ذلك قدرة البازلاء على الوقاية من الالتهابات، مثل التهاب المفاصل.
- تساعد البازلاء على عدم التعرض للتشوهات في الأجنّة أثناء الحمل.
- ومن الفوائد المهمة للبازلاء الوقاية من السكتة الدماغية، وحماية أغشية الخلايا من التلف وتقوية الذاكرة وتنشيط عمليات الإدراك في الدماغ وتغذية الدماغ بشكل عام.
- تساعد البازلاء على علاج التهابات الشعب الهوائية وتفتيت الحصى وزيادة طاقة الجسم وإدرار البول وتفتيت الحصى وعلاج أمراض الكلى والكبد بشكل عام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق